خلال الأيام الماضية أصبحت حركة "حماس" جزءًا من المشهد السياسي المحتقن في مصر، فبعد أنباء سُربت "بطريقة ما" لصحيفة "الأهرام" ـ وهي الصحيفة شبه الرسمية ـ عن تورط عناصر من "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس" في مذبحة رفح التي راح ضحيتها 16 جنديًا مصريًا في رمضان الماضي، وتضمنت هذه المعلومات أسماء منفذي مجزرة رفح، وأنهم من "كتائب القسام" التابعة لـ"حماس"، لم تمض ساعات حتى أعلنت أجهزة الأمن بمطار القاهرة القبض على 7 فلسطينيين لدى وصولهم في طائرة قادمة من سورية، ومعهم خرائط لمنشآت حيوية بمصر، وخطط لتدريبات عسكرية، ناهيك عن تحقيقات القضية التي اشتهرت باسم "خلية مدينة نصر"، وما تضمنته من اعترافات لمتهمين فلسطينيين باعتزامهم تصفية شخصيات معارضة للإخوان في قائمة الاغتيالات الشهيرة.

بالطبع نفت "حماس" تلك الأنباء، كما نفتها "جماعة الإخوان"، لكن الجيش التزم الصمت، وهذا أمر له مغزاه، اللهم إلا تصريح مقتضب، مفاده أن المخابرات تواصل تحرياتها حول الجريمة وستعلن ما توصلت إليه في الوقت المناسب، غير أن معلومات أخرى بالغة الخطورة كشفها الخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف، مفادها أن من نفذوا الهجوم على الجنود في رفح هي مجموعة "جند الإسلام" التابعة لرمضان شلح المرتبطة بإيران، مشيرًا إلى أن هذه المجموعة خارجة عن نطاق سيطرة "حماس"، وتستمد أوامرها وتمويلها من إيران، وأن هذه المجموعة تمكنت من الفرار بعد تنفيذ العملية عبر "منفذ العوجة".

ومن القاهرة لواشنطن حيث توقع السياسي المخضرم هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق أن المواجهة بين الجيش والإخوان ستحدث لا محالة، واعتبر أن الجيش والإخوان هما اللذان استفادا من الثورة، لكنه توقع مواجهة حاسمة بين الجيش والإخوان.

وفي مصر تحدثت مع جنرالات مخضرمين قالوا إن الإخوان وحماس يسعيان لاختراق الجيش، لأنه العقبة الوحيدة أمام سيطرة الجماعة على ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإن الإخوان تنظيم دولي، لا تعنيهم كثيرًا الهوية المصرية، ولا يهمهم سوى مصلحة جماعتهم، وإنهم وعدوا "حماس" بوقف حملة هدم أنفاق غزة، لكن الجيش عبر عن غضبه من تلك التسريبات، مؤكدًا أن هدم الأنفاق مسألة تخضع للتقديرات العسكرية، وأن القوات المسلحة لا تقبل وصاية من أحد.

لم تكن "أنفاق غزة" بالون الاختيار الأول الذي أطلقته الدائرة الإخوانية التي تحيط بالرئيس مرسي (سرًا وعلانية)، بل سبقته بالونات كثيرة، منها تسريبات عن إقالة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وكشر الجيش عن أنيابه واعتبر قادته وضباطه أن هذه الأنباء ليست بريئة، وأنهم لن يسمحوا لأحد بالعبث بمؤسستهم، وبعد ساعات أصدرت الرئاسة بيانًا تعبر فيه عن تقديرها للقوات المسلحة ووزير الدفاع.

ولعل المراقب لسلوك الجماعة سيدرك أن هذا الأسلوب كان منهجها في مواقف شتى، لا يتسع المجال لحصرها، وأن الدافع وراء ذلك هو عجز الجماعة عن ابتلاع مؤسسات الدولة السيادية الثلاث وهي العسكرية والأمنية والقضائية، وبالتالي فإن الجماعة تطلق (بالونات اختبار) لقياس رد الفعل لدى هذه المؤسسات. أما ما لم يعلنه الجيش فسأقوله أنا على مسؤوليتي الخاصة (كمواطن مصري يعرف للجيش قدره)، إن كافة القوى السياسية تورطت في هذه اللعبة الممجوجة. وأقصد محاولة الزج بالمؤسسة العسكرية للاستقواء على الخصوم السياسيين، فضلا عن ممارسات لاغتيالها معنويا بشعارات مثل (يسقط حكم العسكر) أو الرهان على انقلاب عسكري، وكل هذه حسابات خاطئة، لأن زمن الانقلابات العسكرية ولى بغير رجعة، ولو شاء الجيش الاستيلاء على السلطة لفعل، لكنه فضل أن يظل مؤسسة وطنية احترافية لا شأن لها بالسياسة. ولأن قادة الجيش لا يوجد بينهم من يسعى لحكم البلاد ـ على حد علمي ـ لهذا فليست هناك احتمالات للانقلاب على الإخوان، لكن رغم ذلك لن يتردد الجيش في العودة للشارع دون قرار من أحد حال انهيار الأمن والاقتتال الأهلي، لا قدر الله، حينها سينزل الجيش لحماية الدولة من السقوط، لكنه لن يسلم مقاليد السلطة هذه المرة إلا لحكومة مدنية تتوافق عليها كافة القوى السياسية في مصر.