مخدوعون هم من هاجموا خطاب الدكتور العودة على أنه تعدى الحدود مثلما مخدوعون هم من أيدوه، فالرجل خطط وبعناية للتنصل من الربيع والثورات بأقل الخسائر وأكبر الغنائم. لا تكرير لتناقضات الرجل أو تقلباته ولكننا الآن أمام حالة تستحق الدراسة.. كيف أخسر بأكبر الأرباح. لبس الدكتور ثوب الثائر مع الربيع العربي وألف فيه أسئلة الثورة، وأسقط كل حرف على مجتمعه ليحثه على الثورة. غرد كثيراً عن الثورات وليس الإصلاحات. استحث كل من تابعه أن السعودية تستحق الربيع، وعندما خاب الرجاء والأمل قرر تخفيض سقف طموحاته دون أن يخسر متابعيه، ولا بأس أن يتورط من غرر بهم وفي هذه سوابق.
يبدأ خطابه بأنه من مبدأ السمع والطاعة والنصيحة، وفي أيام الربيع يكتب أن السمع والطاعة تراث يساعد على تأليه الحاكم.. يقول في رسالته إنه لم يفقد الأمل وإنه يريد المحافظة على المكتسبات وتحاشي البديل.. الفوضى والتشرذم، ويخط في كتابه أن الأنظمة المستبدة هي التي تقول أنا أو الفوضى، وإنه ليس صحيحاً أن الثورة تبدد الأمن.
لو أن الدكتور اتبع التدرج الطبيعي لأي فكر وبدأ أيام الربيع بخطاب النصيحة ثم أتبعه بعد عام ونصف العام بكتاب أسئلة الثورة لكان منطقياً، لكنه أراد إثارة كثير من الغبار تنسي الناس خيبة الهزيمة وتقنعهم أن سلمان العودة مصلح وليس ثائرا.. وهناك فرق كبير.. اعترافه بشرعية الدولة بعد أن قضى أشهرا يقنع الناس بجواز الثورة شرعياً يدل على أن الرجل، وبغض النظر عن أي فهم لخطابه، يضيء شعلة لترى الدولة أنه بدأ التغير، لكنها مغلفة بعناوين تثير الجماهير. سخر قضية الموقوفين وانتقد التعامل الأمني في مجمل خطابه ليضمن انتشاره وتفاعل المتعاطفين. ولينسي الناس دعوات الربيع التي قادها وتواصل مع أهلها وتمنى انتقالها في تغريداته. وعندما قرأ الواقع وأنه لا أمل أن تعيشه السعودية اختار القضايا الساخنة، لأنها تضمن له حشد الناس. شطب من مفرداته الديموقراطية بعد أن صور للناس أنه كواكبي الألفية. خطاب الرجل واضح للغاية فهو إعلان عن فشله في تبني ثوره تحاكي ثورات الربيع، وخفض سقف انتقاده وتسفيهه لكل الوضع القائم. فمن يقارن خطاب الدكتور في 2011 بخطابه في 2013 يعرف أن الرجل انتكص على الربيع وعاد تحت سقف الوطن، حتى وإن اغتر كثير بخطابه فهو لا يخاطبهم، وما دام الرجل أقر بشرعية الدولة ونادى بالإصلاح وليس الثورة، وحذف الربيع من مفرداته؛ فإن هذه الزاوية ستكف عنه.. مهما أثار من ضجيج.. فالآن استسلم القائد الفكري لثورة ربيعية في السعودية وليس من الشيم مناكفة المستسلم حتى وإن أثار ضجيجا، فللمرة الأولى منذ عشرين عاما يكتب أنه يحب حكام هذا البلد، حتى وإن كانت كلمة في فقرة صغيرة.. "عقبال الباقين"..