أمام 14 زعيماً و7 رؤساء حكومات و18 وزيراً و53 سفيراً ومئات الألوف من المشيعين وملايين مشاهدي التلفاز في مختلف أرجاء المعمورة، تجاوز الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" لياقته الأدبية قبل 3 أسابيع بتقبيل واحتضان امرأة أجنبية خلال مراسم توديع الزعيم الفنزويلي الراحل "هوجو شافيز" إلى مثواه الأخير، مما أثار استياء المحافظين المتشددين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
عندما بدأ "أحمدي نجاد" فترة رئاسته في منتصف عام 2005، كانت صادرات إيران من النفط والغاز تشكل 80% من عائدات الحكومة، وكانت الزراعة تمثل 23% من الناتج الوطني الإجمالي وتستوعب 28% من العمالة، بينما كانت الصناعة تساهم بنحو 18% من هذا الناتج وتستوعب 25% من العمالة. وقبل انخراط "أحمدي نجاد" في السياسة بعقدين، بلغ احتياطي النفط في إيران حوالي 5 مليارات طن، وكان يعمل في استخراجه معظم الشركات الأجنبية العريقة، لتحتل إيران المركز الأول عالمياً في تصدير النفط والمركز الثالث في استخراجه بعد أميركا وروسيا.
اليوم، بعد قرب انتهاء الفترة الثانية لحكومة "أحمدي نجاد"، تراجعت إيران للمرتبة 140 من بين أكثر الدول في النمو الاقتصادي، والمركز 162 في سهولة الأعمال، والمرتبة 173 في حرية الرأي. في العامين الماضيين فاقت نسبة التضخم 33% بسبب ارتفاع أسعار السلع بنسبة 90%، والسكن بنسبة 83%، وصاحب ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 26%، وانخفاض الدخل بنسبة 72%. وفي العام الماضي لاحظ المراقبون انتشار ظاهرة الرذيلة في المجتمع الإيراني، حيث ارتفع عدد قضاياها المضبوطة خلال فترة "أحمدي نجاد" الرئاسية من 10 إلى 42 قضية يومياً، بينما تضاعف عدد العاملين فيها من 230 ألفا إلى 600 ألف امرأة. ويرى المراقبون أن انتشار هذه الظاهرة جاء نتيجة حتمية لفشل سياسات النظام الاقتصادية وانتشار الفساد في المجتمع الإيراني، الذي أدى أيضاً إلى تفاقم عدد المدمنين على المخدرات بنحو مليون ونصف المليون شخص، إضافةً إلى تعاطي مليون إيراني آخرين للمخدرات بغرض التسلية.
وسط خيبة أعضاء البرلمان الإيراني ألقى رئيس اللجنة الاقتصادية "أرسلان فتحي بور" باللائمة على حكومة "أحمدي نجاد" نتيجة سوء الإدارة والتدبير، الذي تسبب في انهيار العملة الإيرانية من 13000 ريال للدولار إلى 34500 خلال الأشهر الثلاثة القليلة في العام الجاري، وأضَّرَ بمصداقية الدولة التي فشلت في وقف التضخم، وأخفقت في إنقاذ إيران من الركود الاقتصادي الذي تواجهه للمرة الأولى منذ اندلاع ثورتها الإسلامية.
وبسبب تعنت حكومة "أحمدي نجاد" في عدم الإفصاح عن برنامجها النووي، تفاقمت العقوبات الدولية ضد إيران. خلال السنوات الثماني الماضية لرئاسته صدرت ضد إيران 7 قرارت متعددة الأطراف من مجلس الأمن الدولي، و37 قراراً ثنائي الأطراف من الاتحاد الأوروبي وأميركا وأستراليا، أطلق عليها اسم "العقوبات الذكية"، لأنها تهدف إلى معاقبة النظام بدون التأثير بشكل مباشر على شعوب الدولة المعاقبة، وتطال قطاعات النخبة في الحكومة الإيرانية فقط عن طريق ضرب مصالحهم ودفعهم للضغط على نظامهم السياسي تحت غطاء الشرعية الدولية. وتركزت هذه العقوبات على تجميد أصول إيران، وحرمانها من تصدير النفط والغاز، وتقليص مبادلاتها التجارية، وضبط حركة قطاعاتها الاقتصادية. طبقاً لصندوق النقد الدوليّ نجحت "العقوبات الذكية" حتى اليوم في فقدان إيران لما يزيد عن 40% من صادراتها النفطيّة، وتراجع إجمالي ناتجها المحلي بنسبة 1% في العام الماضي، وارتفاع البطالة بنسبة 25%. كما أدت هذه العقوبات إلى تراجع الإنتاج الصناعي الإيرني بنسبة 42%، والزراعي بنسبة 17%، مما أدى إلى ارتفاع حجم الواردات الإيرانية من أميركا بنسبة 30% في عام 2012 وبقيمة فاقت 200 مليون دولار، حيث مثّلت صادرات الحبوب الأميركيّة إلى إيران ما قيمته 89 مليون دولار في العام الماضي. كما أدت هذه "العقوبات الذكية" إلى تخبط السياسة الإيرانية الداخلية وزيادة وتيرة الاتّهامات المتبادلة بين حكومة "أحمدي نجاد" ومعارضيها من جهة، وتعميق الفجوة بين أنصار إيران وخصومهم في الدّاخل والخارج من جهة أخرى. وكان للإجراءات الحكومية المستعجلة أثر سلبي كبير على ثقة القطاع الخاص الإيراني بخطط الدولة، وهو ما دفع برجال الأعمال إلى اللجوء إلى العملة الأجنبيّة للمحافظة على قيمة رؤوس أموالهم. وبات من الواضح أن حكومة "أحمدي نجاد" لم تعد تملك خططاً بديلة لمواجهة هذه "العقوبات الذكية"، فلجأت إلى أساليب التهديد والتدخل السافر في شؤون جاراتها من دول الخليج العربي، كخططٍ لتخفيف حدة هذه العقوبات. إضافة لذلك أدى انخفاض صادرات إيران النفطية إلى انسحاب المستثمرين من السوق الإيرانيّة، والنقص الحاد في توفر العملة الأجنبية، مما حدا بحكومة "أحمدي نجاد" إلى استخدام احتياطي العملة لتنفيذ بعض الخطط الحكومية، واعتماد نظام التعدد المرجعي لقيمة العملات الأجنبية، واستحداث مؤسسة مالية حكومية لبيع العملات بأسعار أقلّ من سعر السوق الحرّة، إلى جانب إلغاء دعم عملة الطلاب الإيرانيين في الخارج، الذين يفوق عددهم 37 ألف طالب. كما أدى تدخل إيران في سورية، ودعمها المالي والعسكري للنظام إلى تعميق العجز الاقتصادي الداخلي وتوسيع الفجوة بين النظام الإيراني وشعبه، مما دفع 102 نائب برلماني إلى تقديم طلبٍ رسمي لاستدعاء الرئيس إلى البرلمان ومساءلته للمرّة الثانية خلال هذا العام.
"العقوبات الذكية"، قد تكون قبلة الوداع الأخيرة لحكومة "أحمدي نجاد" في الانتخابات الإيرانية القادمة بعد 3 أشهر.