مقتل مراسل صحيفة "الأخبار" اللبنانية عساف أبو رحال بنيران إسرائيلية، وإصابة مراسل "المنار" الزميل علي شعيب، أثناء أدائه لمهامه الصحفية، إبان الاشتباكات بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني، في منطقة الجنوب، يوم الثلاثاء المنصرم، يفتح الباب مجددا للتساؤل عن القوانين المعنية بحماية الصحفيين، وخصوصا "المراسل الحربي"، أثناء المواجهات والحروب. فالمراسل يعيش في بيئة غير آمنة، ويغامر بنفسه من أجل نقل الصورة للمشاهد، ويحقق أسبقية لوسيلة الإعلام التي يعمل بها، فيما هو بين الموت والحياة، تفصل بينهما رصاصة طائشة، أو قذيفة مجنونة!.
في الحرب الإسرائيلية على لبنان، في يوليو 2006، كنت في بيروت، والجنوب اللبناني، حيث عملت على مواكبة الحرب ميدانيا، في مهمة صعبة، لكنها ممتعة. ساعتها، بالرغم من الاحتياطات الكبيرة، إلا أن كل شيء كان من الممكن أن يظهر أمامك فجأة. ومما حصل، أنني كنت ذات نهار في بلدة "كفر رمان" التابعة لمدينة "النبطية" بالجنوب، وبينما كنا نعد التقرير مع مراسل "العربية" الصديق ضياء الناصري، وإذا بالبيت الذي نقطنه يهتز بقوة، وكأن القصف قد أصابه! هرعنا مسرعين إلى الداخل. بعدها تبين أن القصف استهدف منزلا قريبا منا، وأصاب سيدة حاملا في شهرها التاسع، أخذت للمستشفى وعائلتها، حيث أنقذها الأطباء، وأنجبت "حنين".
في الليل، كنا نباتُ و"الموت متربص بنا"، حيث لا تستطيع أن تغمض عينيك بسبب صوت القصف المتواصل، وتوقعك بأن تكون هدفا "مجانيا" في أية لحظة.
في طريق العودة إلى بيروت، كنا ندلف مسرعين في الشارع، حيث كنا الوحيدين في الطريق، والطائرات الإسرائيلية الصغيرة دون طيار، تحلق فوقنا، وقد تتسلى بنا في أية ساعة، وتخطف منا أنفاسنا!.
في الحرب ذاتها، قتل زملاء صحفيون، وأصيب آخرون، ولكن السؤال يبقى: وماذا بعد؟.
هي إذن حياة "الصحفي الحربي"، الذي تسيل كلماته "حمراء" على صفحة الجريدة، أو شاشة الكاميرا. إلا أنه ولكي نتفادى الأضرار، لابد أن تشدد المؤسسات الإعلامية، والمنظمات الدولية، على ضرورة تنفيذ القوانين التي تجرم استهداف الصحفيين، وتضمن سلامتهم، وتحاكم قتلتهم. إلا أن المشكلة، أن الحروب لها منطق آخر، هو منطق "الجنون"، ولا شيء آخر.