أصدر مفتي سورية الأسدي الشيخ حسون، بحكم رئاسته لمجلس الإفتاء السوري، فتوى مدوية تعلن أن الدفاع عن سورية فرض عين على جميع الدول العربية والإسلامية، ودعا المفتي حسون -عبر التلفزيون الرسمي- أبناء الشعب السوري إلى القيام بما وصفه بـ"واجبهم الشرعي، وأداء فريضتهم في الدفاع عن وحدة سورية"، وقال حسون إن الوقوف في وجه جيش النظام يعد "خيانة، واستهدافا للصمود والمقاومة التي أعدت للمعركة الفاصلة ضد الصهاينة"، وفتوى مجلس الإفتاء السوري ليست الأولى فقد كان للشيخ البوطي قدم سبق على المنبر الأموي في باب إعلان الجهاد تحت الراية الأسدية.

وقد لاقت هذه الفتوى أصداء واسعة من الاستهجان من قبل كثير من علماء سوريين آخرين ومن علماء الدول الأخرى، فعلى إثر فتوى حسون قامت مجموعة من علماء سورية المقاومين والمعارضين للنظام الأسدي تطلق على نفسها "رابطة العلماء السوريين" بإصدار فتوى فندوا فيها فتوى حسون ودعوا فيها إلى النفير العام والجهاد ضد هذا النظام الذي ذبح شعبه والذي يقوم على أساس بعثي علماني بما لا يجيز اتباعه فضلا عن الجهاد معه، كما قام الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بالرد على فتوى حسون ودعا إلى مناصرة المعارضة السورية بكل الوسائل، وتحمس بعض الدعاة المشهورين فإذا بأحدهم يصدح على إحدى الفضائيات بكلام يشبه ما سمعناه منه ومن غيره من قبل في حق القذافي، حيث أعلن أن دم الأسد مهدور لما قتل من شعبه وأن قتله جائز.

وفي طيات هذه الفتاوى المتعارضة حد التناقض، لم ينس الطرفان أن يكيل كل منهما التهم للأشخاص بذواتهم بدلا من التوقف عند حد الفتوى في مضمونها، ففي الجانب المعارض وجدنا من يتحدث في خلفية الشيخ حسون العلمية ومرجعيته الدينية، ويشير صراحة إلى ولائه لإيران، وكذلك فعل من قبل مع الشيخ البوطي عندما أبدى تأييده لنظام الأسد، وفي جانب الفريق الموالي للأسد وجدنا من يشير إلى القرضاوي بحكم رئاسته للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أنه شيخ فتنة وأنه من المحرضين على الفتن، ووجدنا من يشير إلى بعض العلماء المستقلين الذين أبدوا رأيهم ـ عبر الإعلام ـ ضد فتوى الحسون فوصفهم الإعلام السوري بأنهم علماء الناتو.

كل هذه التراشقات في الفتاوى بين الجانبين تجعل الحليم حيران، وتفقد ذا اللب لبه، لا يدري أين يتجه وكيف يفعل ومن يتبع، إنها تذكرني بمسارات التاريخ القديم التي ركب فيها بعض الساسة موجة الفتوى والكرامات ودعوات الأولياء الصالحين بالسداد والنصر والتمكين لسادتهم، والدعوات بالويل والثبور والخسران لمن خالفهم وعارضهم، فتجد الناس قد أخذتهم الحماسة وينضمون بسيوفهم وأموالهم لهذه الدعوات حتى يكتشفوا حقيقتها في آخر المطاف، فينتهي بهم الأمر إلى السعادة أو الندامة.

لا أريد أن أعرض أو أتهم وأقول إن بعض المنتسبين إلى العلم والفتوى قد أغرتهم الدنيا وأضلتهم عن الجادة وعن الصواب فقدموا دنياهم على آخرتهم واستغلوا ثقة العامة فيديرونهم ذات اليمين وذات اليسار بما يوافق هواهم من خلال فتاواهم، بل أقول إنني أقدم الثقة في العلماء على الطعن والتشكيك، ولا أشك في أنهم يريدون الخير لأنفسهم عند الله والخير لمن يفتون لهم، ولكن ما يحدث جراء بعض هذه الفتاوى يثير السؤال حول مدى تخصص الفقيه في المجال الذي يفتي فيه فهم من خلال بعض هذه الفتاوى يسيئون أحيانا إلى الدين أكثر مما يحسنون عن غير قصد، خصوصا عندما يتحدثون في أمور لا يفقهون حقيقتها ولا يعلمون واقعها، وإنما يتحدثون بما يريهم إياه الإعلام فتكون فتاواهم أيضا فتاوى إعلامية، والقاعدة تقول إن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، وبالتالي فإن من لا يملك القدرة على فهم الواقع وتصور المسألة بدقة علمية عالية قد تفوته أمور كثيرة قد تصل به لو علمها أن تكون فتواه بعكس ما أفتى به.

بغض النظر عن السياسة وأحكامها وما تفرضه على المشتغلين فيها، فإنني أتمنى أن أرى علماء متخصصين في الفتوى كل في مجاله العلمي والعملي بدلا من الاعتماد على العموميات والجدليات، أتمنى أن أرى من يفتون في مجال الطب والصحة في الأصل أطباء متخصصون في مجالهم يفهمون الطب وصنعته كما يعرفون الفقه ومدارسه، أتمنى أن يكون من يفتي في مجال الهندسة والعمران مهندسا مدنيا مختصا في مجاله، ومن يفتي في مجال الإلكترونيات وما يخالطها من تقنيات متقدمة من المختصين في مجال التقنية الإلكترونية، وأتمنى أن أرى هذا التخصص قد تم تبنيه على مستوى مجالس الإفتاء والاتحادات واللجان الفقهية بحيث يكون من ضمن مضمون الفتوى الخلفية العلمية لمن قام بدراسة الموضوع من الناحية العلمية وقام بتكييف النازلة ووضع التصور الصحيح لها.