منذ الوهلة الأولى التي اشتعل فيها فتيل الأزمة السورية، لم يغفل نظام الرئيس بشار الأسد ممن تحتضنهم بلاده من اللاجئين الذين يشكل الفلسطينيون النسبة الأكبر، إن لم تكُن "الأوحد"، واختار الوقت المناسب لـ "الزجّ" بهم كطرفٍ في الأزمة، عبر الشخص الذي يُصنّف في دوائرٍ فلسطينيةٍ بـ "صنيعة المخابرات السورية"، ومن هذا المنطلق يجد مستشار الرئيس الفلسطيني نمر حمّاد، نفسه أمام ضرورة أن يرتفع صوته، في حديثٍ موسع مع "الوطن" عبر الهاتف من الضفة الغربية بفلسطين، أن يعي الفلسطينيون في سورية أنهم المُتضررون، إن استطاع أي طرف استمالتهم لصالحه، بعيداً عن نظرية "الضحية والجلاّد"، فإلى نص الحوار:


المتضرر فلسطيني

سيد نمر.. بالتأكيد لا تغفلون في منظمة التحرير عن محاولات زج النظام السوري باللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في الأزمة التي تدور رحاها قرابة عامين، من المستفيد في نظرك؟

لا أعتقد أن هناك أحدا مستفيدا، لكن هناك متضررا، والمتضرر هو الشعب الفلسطيني. المحاولات بدأت مع بداية الأحداث بسورية، آنذاك سمعنا تصريحا لناطق رسمي بالحكومة السورية، يقول إن بعض الأشخاص المشبوهين في مخيم للاجئين بالقرب من اللاذقية لوحظت عليهم بعض التصرفات المُضادة للسلم في الأراضي السورية. ثم سمعنا عن مخيم فلسطيني في درعا، هناك 600 ألف لاجئ فلسطيني تمت معاملتهم أفضل معاملة طيلة هذه السنوات، علينا أن نعترف بذلك، وهناك علاقات وثيقة بعد النكبة الفلسطينية.. هناك أجيال عاشت وولدت في سورية.

لذلك كان صوتكم، نوعاً ما، عاليا في موقفكم من الأزمة بسورية؟

نحن موقفنا منذ البداية واضح بالنسبة للأزمة، كما حدث في ليبيا. موقفنا دائماً نؤكد عليه ولا نتنازل عنه، وهو أن الفلسطينيين ليسوا طرفا في أي أزمة أو ما يُسمى بـ "الربيع العربي"، لسببٍ واحد فقط، لأن الضعيف دائماً يدفع الثمن.

ومن هذا المنطلق نحرص ألا تكون لنا علاقة في أي أحداث تحصل في أي دولة. وسورية ضمن تلك الدول. طبعاً أتحدث عن الشعب الفلسطيني، وليس عن أفراد أو مسؤولين.


جبريل دائما مشكلة

هناك من حاول أن يدخل نفسه ممن يُحسبون رموزاً على الشعب الفلسطيني في الأزمة السورية. وبصراحة أقصد الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة - أحمد جبريل؟

معك حق. هناك من أراد أن يدخل نفسه في هذا الصراع، بشكل خاص، وهذا ليس سرا. وأنت ذكرت أحمد جبريل. في الأساس أحمد جبريل باستمرار وجوده يشكل مشكلة داخل منظمة التحرير. وأثناء وجودنا في لبنان لطالما أدخلنا في صراعات وعمليات عنف وقصف. كرر الأمر نفسه بالنسبة لسورية، لذلك نحن منذ البداية قلنا عندما بدأ العنف يطال مخيم اليرموك إن أحمد جبريل لا يمثل الشعب الفلسطيني.

كيف لا يُمثل الشعب الفلسطيني؟

أحمد جبريل يتزعم مجموعةً تتصرف وكأنها نوع من أنواع الميليشيا، كونه يقف مع النظام السوري. لو كان الموضوع سياسيا فسنعتبر أن هناك من يقف مع النظام وهناك من يقف ضده لأهدافٍ أو مقاصد سياسية.. لكن أن يستعمل السلاح، ويدخل شبابا فلسطينيين أبرياء، كما فعل سابقاً بالاتفاق مع حزب الله في موضوع أدى إلى مآس يوم أرسل الشباب الفلسطيني إلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل وسورية، وقتل 60 شابا، للأسف كان الهدف لفت الأنظار عن إشكالات داخلية، وأنهم شباب قتلتهم إسرائيل.. نفس الأمر ينطبق عن الأزمة في سورية.. هذا هو الخطأ بعينه.

لكني أجد أنك تختزل الإشكال في شخص واحد هو أحمد جبريل، وكأنه هو من عرض نفسه. لماذا لا يكون النظام السوري هو من حاول جذبه وجماعته للأزمة كطرف لتوسيع الإشكال السوري؟

هناك شخص مستعد لذلك. يعني لو لم يكن جبريل موجودا لما حدث ذلك. هناك شخص موجود جاهز للاندماج وأدخل نفسه في هذا الموضوع. أنا أتحدث عن الجانب الفلسطيني، وهذا الذي يعنيني.





تهميش القضية

ألا ترى أن ذلك يضرُ بالسلب بالقضية الأم، القضية الفلسطينية التي أهملت نوعاً ما بعد الربيع العربي؟

منذ أن غزا صدام حسين الكويت والقضية الفلسطينية تدفع ثمن. الانقسام العربي أدى إلى جعل القضية الفلسطينية هامشية. قلنا آلاف المرات يا إخوان انتبهوا لما يجري في القدس، سنجد أنفسنا قريباً نخسر المسجد الأقصى. المنطقة أدخلت في مجموعة من الصراعات، لدرجة أن القضية الفلسطينية أصبحت هامشية، لأن المتحكم في العالم هو اللوبي المؤيد لإسرائيل.

والفلسطينيون منقسمون؟

الفلسطينيون صحيح منقسمون، لكن لا نحول الأنظار عن الممارسات الإسرائيلية.

في رأيك، كيف يجب أن يعي المواطن الفلسطيني خطورة الدخول في الأزمة السورية، واستخدامه أداةً لصالح طرفٍ ضد آخر، وأقصد هنا النظام وآلته العسكرية؟

المواطن الفلسطيني رسالتنا واضحة له. أول ما نحذر منه الآن ونكرره ونعيده هو مناشدة الفلسطينيين في سورية ولبنان، بما أن هناك محاولات لنقل الفتنة للبنان.. تجنب الصراعات الداخلية في تلك الدول التي نعتبر فيها ضيوفا، نقف مع شعوبها صحيح، لكننا لسنا طرفا.


جبريل صناعة سورية

صحيح، لكن نظاما دمويا كالنظام الأسدي، يملك مفاتيح بعض الرموز الفلسطينية في سورية، ولديه السيطرة على المخيمات، التي أنشئت منذ عقود على الأراضي السورية؟

يا سيدي هم ليسوا رموزا. هناك تنظيم أحمد جبريل، كما قلت، تاريخياً منذ ولد صنعته المخابرات السورية.. أحمد جبريل، أقولها "صنيعة المخابرات السورية".

هذا يعني أن النظام السوري يملك نفوذا كبيرا على تلك المجموعة التي تصفها بالمعزولة، بمعنى أن هناك اختراقا "أسديا" للفلسطينيين كجبريل وغيره؟

هم تابعون له ولأجهزته.

يعني يمكن استخدامهم في واجهة الأزمة السورية؟

للأسف طبعاً، يمكن استخدامهم، ولذلك رفضنا وقمنا بإدانة ما يقوم به جبريل وجماعته. إنما نحن نحاول أن نميز بين ما يعنينا وما لا يعنينا، وأن نتحدث عن النظام، فهذا أمر لا يعنينا. موضوع النظام لا نريد أن ندخل أنفسنا فيه. أحمد جبريل ندينه وندين مجموعته التي سخرت نفسها لخدمة طرف في الصراع وهو النظام.


التابع والمتبوع

لذلك يخرج البعض من جماعة أحمد جبريل مدافعا عن النظام السوري وممارساته ضد الشعب منذ أكثر من عام ونصف؟

دائماً الذي يكون تابعاً "يزاود" على من يتبعه بالولاء. كما يُقال "ملكيون أكثر من الملكية". هم كذلك بالنسبة لنظام الأسد. هذا عبر التاريخ، ولذلك ليس غريبا أن تسمع أقوالا وأفعالا من هذه المجموعة. وبالمناسبة هذه مجموعة معزولة، نحن نقول ذلك، ونعي ما نقول.

في المقابل هذا لا يعني أن الرجل لا يتمتع بقاعدةٍ شعبية، وإن كانت محصورة بالمخيمات؟

كثيرون من الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين اللاجئين في سورية بعيدون كل البعد عن هذا الصراع وعن هذه المجموعة. وبالمناسبة وجدنا أنفسنا في مواجهة مشكلة بالنسبة للاجئين في سورية، لدينا آلاف، قسم منهم هرب إلى لبنان وآخر ذهب إلى الأردن، وعملنا تبرعات للمساعدة لجميع الفلسطينيين اللاجئين الهاربين إلى هناك. وأيضاً نساعد في ذات الوقت اللاجئين من الشعب السوري، لأنهم أصحاب فضلٍ على اللاجئين الفلسطينيين في سورية.

تعاملون اللاجئين السوريين كاللاجئين الفلسطينيين؟

نعم نتقاسم معهم حياتنا، نحن كمسؤولين في الضفة خُصم من مرتباتنا من أجل دعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن، وأيضاً السوريين ممن هربوا بحثاً عن الأمن وهرباً من الأزمة. نحن شعب واحد. جاء علينا العيد وهناك عوائل وأسر مشردة. الفلسطينيون والسوريون يساعدون بنفس المساعدة.. هذا ما نحاول أن نعمله.