حظيت زيارة عضوي هيئة كبار العلماء المستشارين بالديوان الملكي، الشيخين الفاضلين: معالي الشيخ عبدالله بن سليمان بن محمد المنيع، ومعالي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبد الرحمن المطلق، لعدد من المواقع الأثرية والتراثية في محافظة العُلا، باهتمام الصحافة.

علق على هذه الزيارة أحد المغردين بقوله :"آمل ألا تكون زيارة الشيخين المطلق والمنيع للمواقع الأثرية في العلاء للترويج لها كمنتج بنكي شرعي أو ضمان مصرفي إسلامي!".

استوقفتني تغريدته وبدأت أفكر ما الذي جعل هذا المغرد يربط بين الآثار والإسلام من ناحية تشريعية؟ من أين جاء بهذه الفكرة؟ هل يا ترى بسبب تمكن سكان فرنسا وإسبانيا وروسيا وألمانيا ومؤخراً الولايات المتحدة الأميركية من حضور معرض روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور، المعرض الذي يمثل مختلف الحضارات التي كانت سائدة على أرض المملكة، فالمعرض يضم (400) قطعة أثرية تعكس ثقافة وفنون مختلف الحضارات التي وجدت على أرض شبه الجزيرة العربية. كل قطعة منها تؤكد تاريخ المملكة وما تتميز به من مخزون أثري ثمين جداً، وتبرز حضارة وتاريخ المملكة العربية السعودية، وهي شواهد ماثلة على أنها ليست صحراء قاحلة ونفطا فقط، بل هي وريثة سلسلة حضارات عظيمة توجها الإسلام، ولم يتمكن سكان المملكة أنفسهم من الاطلاع عليها والتعرف على ثقافة مهمة وتاريخ عريق ضارب في القدم يعود إلى آلاف السنين، لأن هناك ممن يعتقد أن هذه الآثار يجب ألا يتم الاطلاع عليها وأنها أصنام وآثار وثنية وهذا حرام!

لا أعلم لماذا تم زج الحلال والحرام في آثار لحضارات كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وإن كانت المسألة متعلقة بفترة من الفترات، كثرت فيها البدع، فإن الأسباب قد زالت الآن ولله الحمد، وعلينا أن نرتبط بالواقع المعاش، بل إن وجود هذه الآثار الإنسانية على أرض جزيرة العرب يدل ـ في حقيقته - على قوة الإسلام الذي لم يأت على مكان خال، بل أتى وأنزل على سيد الخلق في أرض الجزيرة التي كانت مهدا وممرا لكل الحضارات، وهذا من قوة الإسلام أنه لم ينزل على أناس ليست لديهم كل هذه الحضارات والثقافات.

ولا ننسى أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن هدم الآثار كما جاء بالحديث المرفوع أَخبرنا أَبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن إسحاق القاض ، قال: حدثنا أَبي، قال: حدثنا عيسى بن مينا، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أَبي الزناد، عن أَبيه، عن الأعرج، عن أَبي هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله علَيه وسلم عن هدم آطام المدينة، وقال: "إنها زينة المدينة"، ولمن في نفسه شك، فإن دار الإفتاء بمصر بصدد إعداد كتاب يجمع كل الأحاديث والآيات القرآنية التي تحضّ على الحفاظ على التراث الحضاري، وصيانته من العبث أو الهدم وأضاف أيضاً الدكتور علي جمعة، مفتي مصر أن هناك العديد من الأحاديث والآيات التي تنهي عن هدم تراث الأسلاف.

أتوقع أن أهم أسباب ربط الآثار بالحلال والحرام عند بعض الناس، أن عملية محاولة فهم الماضي البشري ارتبطت واعتمدت لفترة طويلة على النصوص فقط، لاعتبارها من الغيبيات وقتها.

أما آن الأوان لنا أن نطلع على الـ 400 قطعة كي لا تعد بالنسبة لنا من الغيبيات؟