ليس عيباً في الفكرة السياسية أن يفشل أتباعها في الحكم لمرة، فهذه ظاهرة تكررت كثيراً. الفشل للمرة الأولى ربما يرتبط بمن يمثل الفكرة في الحكم أو البيئة السياسية وقت الحكم أو غيرها من الظروف.. لكن العيب كل العيب أن تقوم عقول الفكرة بتجاهلها والتقاط فكرة أخرى لتحقيق مصالحهم.

التقط مفكرو الحركيين ورموزهم فورة الثورات فروجوا لها واعتنقوا مفرداتها وراهنواعليها.. أصبح الانتحار شعلة أمل.. ورصاص الأمن استبدادا.. وحرق المقرات صرخات الحرية.. ولأنهم يريدون نقلها لوطنهم غزوا "تويتر" بتغريدات الربيع والأمل. كانت كل تغريدة تحكي أنه الخلاص ونهضة الأمة.. وعودة العزة.. ثم فجأة فضحتهم الأحداث، وتدهورت دول الربيع، فنفض الحركي فوراً تفكيره وأصبح الانتحار تصهينا، والرصاص دفاعا عن النفس، وحرق المقرات بلطجة. ولأن نقل المشروع لوطنهم أصابه ضرر من هذه التداعيات، وبدأ الناس برؤية نتائج الثورات؛ بحث الحركيون سريعاً عن ركوب قضية أخرى تعيد لهم اللمعان، وتكون لهم مصداقية.. فوجدوا قضية المعتقلين، الذين يحمل أغلبهم فكر القاعدة، والغريب أنهم تقربوا للناس وللدولة عبر محاربة هذا الفكر، بل وكانوا يذهبون ليناصحوا ويستتيبوا نفس من يطالبون بإطلاقهم الآن.

أحمد الله أن كل شيء موثق في "تويتر" والفضائيات، فمن يستنجد بقميص المعتقلين اليوم هو من لم يتحدث عنهم قبل سنوات عندما كانوا أضعاف أرقامهم الحالية.. وهم من كانوا يحذرون من فكر القاعدة ويتصدرون المنابر والمجالس. لذلك من ينصف المجتمع من الذين صوروا له الربيع جنة الخلاص.. ماذا لو صدقهم الناس ولم يحفظ الله هذا الوطن..؟ لماذا صمتوا عن كل هذه الدماء في دول الربيع! هوس فشل المشروع مسيطر عليهم، والوقت ليس في صالحهم وحلفاؤهم يفشلون. المعتقلون موضوع له جوانب عاطفية كثيرة يمكن استغلالها، والحركيون رواد الاستغلال.. ومثلما عانقوا الأمير محمد، بعد أن نجاه الله من الاغتيال، وقالوا له نحن مستعدون لمحاربة هذا الفكر؛ لم يقولوا تلك الأيام: يا أمير فكوا العاني..!