صادف نهاية الأسبوع الفائت اليوم العالمي للمرأة، ومع أنني لست معنية كثيراً بهذه المناسبة، التي أراها تكريساً للفكر الذي يعتقد أن الأصل في الإنسان الذكورة والمرأة استثناء من الأصل، أو كأنها كائن فضائي تم القبول به لاجئاً في كوكب الأرض الرجالي، إلا أن هذه الأيام تأتي وتمضي دون أن يتغير الكثير من واقع المرأة في كثير من بقاع المعمورة. ميزة هذا اليوم الوحيدة ربما هو أنه فرصة لملاحقة آخر التطورات والإنجازات النسوية بشكل سريع عبر ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة. ولعل الكثير من السعوديين والسعوديات شعروا بشيء من الارتياح لأن وسائل الإعلام المحلية والعالمية وجدت شيئاً جديداً إيجابياً تكتبه عن وضع المرأة السعودية بدل الكثير من التقارير السوداوية التي تعودوا عليها، وذلك لتحقق خطوة في الاتجاه الصحيح عبر جلوس المرأة السعودية تحت قبة "الشورى" للمرة الأولى. خطوة استبشر بها الكثير من النساء السعوديات خيراً، فهي على رمزيتها، إلا أنها دليل على بداية الاعتراف بها كشريك في التخطيط والإدارة على مستوى الدولة. ووسط كل هذه الأجواء الاحتفالية، تطالعنا الصحف بأخبار تجعلنا نشعر بأنه في مقابل كل خطوة للأمام هناك اثنتان للخلف!

نشرت جريدة الحياة في نسختها السعودية يوم السبت 27/4/1434 خبراً محلياً من الدمام بعنوان: (مراكز نسائية تحصي خسائر بـ"الملايين".. وتلويح بنقل الاستثمارات إلى "الخليج"). وكان مما جاء في ثناياه: "قدرت مستثمرات في قطاع التجميل في المنطقة الشرقية، حجم الخسائر الناجمة عن قرار منع حمام "الساونا" و"المغربي"، إضافة إلى منع الرياضة في المراكز النسائية، والمساج الطبيعي، بـ"ملايين الريالات"، لافتات إلى ما تتطلبه تلك الأجهزة من "كلفة عالية عند شرائها، وأثناء تركيبها". وذكرن أن الخسائر، الناجمة عن قرارات أمانة الشرقية، ستؤدي إلى "إغلاق مراكز عدة، أو هجرة الاستثمارات إلى البحرين ودبي حسب تعبيرهن."

والحقيقة لا أعرف من أين أبدأ بالتعليق على هذا الخبر؟ هل من الناحية الاقتصادية فأقول بأنها ضربة في وجه سيدات الأعمال السعوديات، وفي وجه الاستثمار المحلي في هذا القطاع الحيوي، لاسيما في المنطقة الشرقية حيث البدائل على مرمى حجر في البحرين؟ أم تكريس للبطالة بين الشابات اللاتي ينافسن في سوق عمل محدود الفرص أصلاً؟ إذ يعمل بعضهن في هذه المراكز كمحاسبات أو إداريات أو خبيرات تجميل، أم من الناحية الصحية والتجميلية؟ حيث إن حمامات "الساونا" من المعروف أنها تنشط الدورة الدموية، وهي موجودة في جل النوادي الصحية حول العالم، ناهيك عن إغلاق صالات الرياضة والتمارين التي توفر الأجهزة الرياضية المختلفة كالممشى الإلكتروني، والدراجات الثابتة، وغيرها، في بلد ترتفع فيه نسب السمنة بين الجنس اللطيف وما يصاحبها من أمراض القلب والضغط والسكر وهذا الأخير بات صديقاً للأسرة السعودية. هذا بالإضافة إلى تأثير السمنة على جوانب حياة المرأة المختلفة، سواء ثقتها بنفسها، وفرصها في الزواج، وحياتها الزوجية، وقدرتها على الحمل والإنجاب وتحمل أعباء الأسرة. وما لا أفهمه هنا، كيف تستطيع أمانة أي مدينة أو منطقة ما، أن تصدر قراراً متعسفاً كهذا تجاه مرافق كهذه متاحة حتى من قبل الدولة في بعض قطاعاتها الحكومية؟ فهناك نواد رياضية نسائية في بعض الجامعات السعودية، وآخرها افتتاح الصرح الضخم في جامعة الأميرة نورة، وكذلك في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. بل وفي الشرقية نفسها، وفي الظهران تحديداً لدى شركة أرامكو مرفق رياضي نسائي متكامل، والكثير من المستشفيات والعيادات الصحية الأهلية توفر هذه الخدمة نظير مبالغ مادية معينة، أم نتناول الناحية الترفيهية؟ ففي دولة تقل فيها مرافق الترفيه بشكل عام للجنسين، وتكاد تنعدم تقريباً بالنسبة للنساء، حيث إن النشاطات المتاحة للأغلبية تكاد تنحصر في مركز تسوق ومطعم- وهي بالمناسبة متعتان لا تتوفران في كل المدن والمحافظات- فلماذا يتم التضييق عليهن في هذه الممارسات الترفيهية القليلة المتاحة مثل الحمام المغربي أو التدليك والتي تلجأ لها النساء كنوع من الاسترخاء للتخلص من ضغوط الحياة، أو احتفالاً بمناسبة جميلة مثل الخطوبة أو الزواج؟

قد يدور في الأذهان تساؤل عما إذا كان القرار لا علاقة له بالتحليل ولا التحريم، وإنما سببه مخالفة اشتراطات الأمن والسلامة وشروط البلدية الملزمة، وكان يمكن النظر له في هذا السياق فيما لو تم إغلاق عدد من هذه المراكز والنوادي بسبب المخالفات، لكن أن يصدر قرارٌ بإغلاقها جميعاً، فهذا ما يدفعنا للشك في مبرراته. فحتى لو لم يكن ذلك بدواعي المحافظة والتشدد، فإنه كان على الأمانة والبلديات أن تعمل مع ملاك هذه المراكز وإداراتها للعمل على تحسين مواصفاتها وخدماتها حفاظاً على الصحة العامة، لا أن تتخذ القرار الأسهل، والذي تعودنا عليه في كل أمر يتعلق بالمرأة، وهو الإغلاق والمنع. فهناك مخالفات في الأمن والسلامة في الكثير من المرافق التعليمية النسوية الحكومية والأهلية، فهل سنغلق مدارس البلاد وجامعاتها ونحرم الفتيات من التعلم بحجة الحفاظ على أرواحهن؟

مشكلة المرأة السعودية مع كافة القوانين المكتوبة وغير المكتوبة، بما فيها الأعراف الاجتماعية، وكذلك مع التشريعات والتنظيمات الإدارية، تتلخص في عدم منحها حق الاختيار لتقرر كيف تعيش حياتها وتدير أمورها حين تشب عن الطوق مثل أخيها الرجل. لا أحد يستطيع، أو حتى يريد، أن يجبر امرأة على أن تدرس بعد مرحلة التعليم الإلزامي، أو أن تعمل في وسط نسائي محض أو مختلط، أو تقود السيارة، أو تدخل مجلس الشورى، أو تمارس الرياضة، أو تذهب لصالون التجميل، أو تسافر في بعثة، فهي امرأة مسلمة وعربية راشدة، ولها أن تقرر مع أسرتها ما يصلح لها من أمر دينها ودنياها، وخياراتها ستنعكس عليها بالدرجة الأولى، وبعائلتها المقربة في الدرجة الثانية، ولن يدخل غيرها الجنة أو النار نتيجة لممارساتها الشخصية. والأصل في الأمور الإباحة، ولن تخرج من دائرة التحريم إلا بدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع والقياس، وللأسف فإنه لا يكاد يوجد دليل واحد يمنع أو يحرم مطالبات الشرائح الواسعة من نساء المجتمع السعودي، لكنه الهوى.. قاتله الله!