تقع الغرفة الأهدأ على مستوى العالم في جنوب مينيابوليس بالولايات المتحدة الأميركية، وتتبع لمختبرات أورفيلد والتي أدخلتها غرفتها الشهيرة موسوعة جينيس للأرقام القياسية العام الماضي. جدران هذه الغرفة مصنوعة من خرسانة وصلب معزول ومبطنة بألياف زجاجية سميكة على هيئة أسافين لتمتص ما يزيد عن 99? من صدى أي صوت يمكن أن يصدر داخلها. شركات عديدة تستخدم هذه الغرفة لقياس مدى علو صوت منتجاتها، ولعل أشهرها شركة الدراجات النارية الشهيرة هارلي ديفيدسون. هذا العزل الصوتي الفعال يمكن أن يقود الشخص بداخلها للجنون، حيث إن جل ما يسمعه هو صوت أعضائه الداخلية وهي تقوم بوظائفها الحيوية ولذلك فإنه لم يستطع أي إنسان حتى الآن تجاوز حاجز الـ 45 دقيقة داخلها قبل أن يبدأ بالهلوسة وطرق بابها للخروج منها.

شهد الشأن العام المحلي مؤخرا أحداثا متنوعة على عدة أصعدة وطالت العديد من القطاعات المختلفة، وفي كل منها ينتهي الأمر باجتماع أو ندوة لمسؤول مع وسائل الإعلام ومقالات عدة حولها تشكر التفاعل وتثني عليه ليخفت الضوء خارج غرفة الصمت ويبقى من بداخلها يصرخ ويرجو فتح الباب أو حتى النافذة ليصل صوته قبل أن يصاب بالهذيان، وحينها يتم إخراجه ليودع في مصح العقلاء.

قد يحالف الحظ الصوت في الغرفة الصامتة ويعلو بتردد كاف لأن تسمعه إحدى وسائل الإعلام ليتم نقله وقطع الاتصال معه، ومن ثم تغيير الموجة لغرفة صامتة أخرى يتوافق ترددها مع نكهة الشهر لهذه الوسيلة الإعلامية. الصوت في الغرفة الصامتة لا يملك قنوات تواصل دائمة مفتوحة مع وسائل الإعلام كنظيره في الوزارات والقطاعات المختلفة والتي تضمن لها إيصال ما تريد بأي وقت وبأي شكل: ندوة، تصريح، تحقيق أو حتى مقال رأي. الصوت في الغرفة الصامتة لا يتم سماعه، لأنه لا يملك مفاتيح الباب.

الصوت في الغرفة الصامتة تفاءل بهيئة مكافحة الفساد "نزاهة" حتى إنه رسم بسذاجة مكان نافذة لها، وتعبت أنامل صاحبه من صناديق الشكوى المغبرة وروابط الشكاوى والتظلمات الإلكترونية التي لا تعمل، ونام كأهل الكهف بانتظار موعد جلسته في أروقة المحاكم، ودفن الأم والأب والطفل بانتظار موعد أو سرير.

الصوت في الغرفة الصامتة أنهكه الصراخ وأطبقت عليه أسافين جدرانها حتى لجأ لشرخ في جدارها.. لجأ لشفاعةِ فرع محلي بجمعية أهلية تابعة لدولة خارجية لعله يسمعُ صدى لصوته أو يسمعه من حيل بينه وبينهم. لجأ لخرق القوانين حين خرقت إنسانيته واحتياجاته بترهل وإهمال ممن أوكلت لهم مهمة سماع الصوت والرد عليه.

هذا الصوت ما زال يرسم نوافذ عديدة بداخل غرفته الصامتة، نوافذ لجمعيات ومؤسسات أهلية تنقل صوته مباشرة من دون وسيط ولا شفيع. نوافذ عديدة مرسومة، إحداها نافذة لجمعية أهلية يقوم من خلالها بواجب المواطنة بمساعدة هيئة مكافحة الفساد، وأخرى لأهالي قتلى حوادث السيارات ينشرون فيها الوعي ويساعدون برصد المخالفات، وهنا نافذة لنقابة الممارسين الصحيين وهناك للمحامين والمعلمين والمهندسين وغيرهم. النوافذ المرسومة امتدت على الجدران الأربعة، حتى بدا واضحا لصاحب الصوت أن هذه النوافذ هي الحل للخروج من الغرفة الصامتة، ولذلك فهو يرفض الخروج من غرفته الصامتة حتى تفتح النوافذ له ولأصحاب الغرف الصامتة من حوله. يرفض الخروج من الغرفة الصامتة حتى لا يتهم بالجنون عندما يذكر أن صوت بطنه الجائع وصوت دمعه السائل على وجنتيه وصوت نبضه الخائف المتسارع وصوت أفكاره القلقة لم تستطع جميعها أن تخرجه من وضعه الصامت، طالما أن أمل تحقيق النوافذ موجود ولو بعد حين.