أكتب هذا الأسبوع من لندن، حيث تعددت الأنشطة المتعلقة بيوم المرأة العالمي في 8 مارس، في الساحات والمتاحف والجامعات. وبمناسبة هذا اليوم، وجهت صحيفة "الإندبندنت" المعروفة إلى قيادات الحركة النسائية في بريطانيا، السؤال التالي: "ما هي أهم قضية تواجه المرأة والحركة النسوية اليوم؟"
تعددت الإجابات التي تلقتها الصحيفة، فتحدث بعضها عن الدور السياسي للمرأة، وعن العنف الموجه للمرأة والتحرش الجنسي، وغيرها. ولكن أكثر ما ركزت عليه تلك الإجابات هو التمكين الاقتصادي للمرأة: المساواة في الأجور وفرص العمل والتعليم، وإجازات الأمومة والعناية الصحية ونحوها. وبعبارات أخرى، فإنه بعد مرور أكثر من 100 سنة من النشاط النسوي وحصول المرأة على حقوقها السياسية، ما زال التمكين الاقتصادي بعيد المنال في بريطانيا وما زالت المرأة تواجه التمييز في مكان العمل.
فما هو الحال في بقية دول العالم، وفي المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج؟
يقول الخبراء إن التمييز الاقتصادي ضد المرأة كان دائما السلاح الرئيسي لإبقاء المرأة في دور ثانوي، فبدون استقلالها اقتصاديا، لا تستطيع أن تتفاوض بفعالية لتحسين دورها القانوني أو الاجتماعي أو السياسي. وهذا الدور المحوري للاقتصاد هو سبب المقاومة الشديدة التي ما زالت المرأة تواجهها لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، لأنه هو الوسيلة الضرورية لممارسة حقوقها الأخرى.
ومن المهم أن نتذكر أن "يوم المرأة العالمي"، الذي احتفل به العالم هذا الأسبوع، بدأ في الأصل، منذ نحو 100 عام، كوسيلة لتحسين ظروف العمل للمرأة.
ففي 19 مارس 1911، بدأ أول نشاط بهذا الخصوص باسم "اليوم العالمي للمرأة العاملة"، حيث نظمت تجمعات سلمية شارك فيها أكثر من مليون رجل وامرأة في عدد من الدول الأوروبية. وبالإضافة إلى حق المرأة في التصويت، طالب المشاركون بتعزيز وظروف فرص العمل والتدريب الفني للمرأة وإنهاء التمييز في مكان العمل.
وبعد أيام، في 25 مارس 1911، نشب حريق كبير في مصنع للملابس في نيويورك، قتل فيه 146 امرأة عاملة، مما ركز الاهتمام على الظروف السيئة التي تعمل فيها النساء في ذلك الوقت، وأعطى للحركة النسائية دفعة مهمة للأمام. وخلال فترة قصيرة، اجتذبت الحركة أعدادا أكبر، وتم الاتفاق على تسمية هذا الاحتفال السنوي بـ"يوم المرأة العالمي".
وفي عام 1975، اعتمدت هيئة الأمم المتحدة "يوم المرأة العالمي" في 8 مارس من كل عام، تنظم فيه أنشطة تهدف لتحسين وضع المرأة في جميع أنحاء العالم.
ومع أن المرأة قد حققت الكثير منذ ذلك الوقت، إلا أن مؤشرات التنمية تظهر أنه ما زالت هناك فجوة كبيرة بين الوضع الاقتصادي للمرأة والرجل في العالم أجمع، خاصة في الدول النامية. ففي عام 2012، لم تتمكن سوى الدول الإسكندنافية القول بأنها حققت شيئا من المساواة، حيث تراوح معدل المساواة الاقتصادية فيها بين 78% في الدنمرك و86% في آيسلندا. أما بقية الدول فكانت دون ذلك بكثير.
وفي المملكة العربية السعودية، وبقية دول الخليج، تم تحقيق الكثير في مجال صحة المرأة، على سبيل المثال. وفي التعليم، كذلك، ثمة إنجازات تفوق الخيال، فخلال جيل واحد، انتقلت المرأة من نقطة الصفر تقريبا إلى واقع يتجاوز فيه عدد خريجات جامعاتها عدد الخريجين.
وخطت المرأة السعودية والخليجية خطوات مهمة في المجال السياسي. فخلال هذا العام، عين في مجلس الشورى السعودي 30 امرأة، يشكلن نسبة 20% من أعضائه، وفي الانتخابات البلدية القادمة، ستشارك المرأة السعودية ناخبة ومرشحةً.
وفي المجال الاقتصادي، للنساء حق التملك والتصرف بمالها، وتأسيس الشركات وإدارتها، وكثير منهن يقمن بتلك الأدوار. ولكن في مجال العمل، ما زالت التحديات كبيرة.
وانظر إلى إحصاءات سوق العمل السعودي لتقدر الصعوبات التي تواجهها المرأة في الحصول على عمل مجزٍ. فمقارنة بعام 2009، تحسنت اليوم فرص المرأة السعودية في الحصول على عمل، ولكنه تحسن محدود، حيث ما زالت معدلات توظيفها من أقل المعدلات في العالم. ففي 2009، كان هناك حوالي 505 آلاف امرأة سعودية تعمل خارج منزلها، وارتفع ذلك إلى 647 ألفا في النصف الثاني من 2012، حسب الإحصاءات الرسمية.
ووفقا لذلك، فإن معدل توظيف المرأة ارتفع من 8.5% إلى 10%، أي أن واحدة فقط من كل عشر نساء في سن العمل يعملن خارج المنزل، وهو معدل متواضع جدا مقارنة بالدول الصناعية التي يبلغ فيها معدل توظيف المرأة حوالي 65%.
ونعلم من تلك الإحصاءات أيضا أن مئات الآلاف من النساء السعوديات المؤهلات يبحثن عن عمل دون جدوى. قدرت مصلحة الإحصاءات العامة أعدادهن بنحو 359 ألفا، وقدرت بذلك معدل البطالة النسائية بنحو 36% في النصف الثاني من 2012، مقارنة بـ28% في 2009.
ولكننا نعلم من بيانات "حافز" أن عدد الباحثات عن عمل تجاوز المليون، ولكن الأعداد الحقيقية قد تفوق ذلك، فثمة الملايين من النساء السعوديات المؤهلات علميا والمتمكنات، لو توفرت لهن الفرص الملائمة للعمل الشريف المجزي لسعين إليها.
من البين إذاً أن التمكين الاقتصادي ما زال التحدي الأكبر الذي يواجه المرأة السعودية اليوم، مثل أخواتها في بقية أنحاء العالم. ولكن ثمة فرقا مهما. ففي معظم دول العالم، لا يتوفر سوى عدد محدود من الوظائف تتنافس عليها الرجال مع النساء. أما في السعودية، وبقية دول الخليج، فلا نقص في الوظائف. فالاقتصاد السعودي ينمو بمعدلات مرتفعة منذ أكثر من 10 سنوات، متضاعفا كل 7 سنوات، موجدا ملايين الوظائف، ولكن أغلبها يذهب للأجانب، ولا تحظى المرأة إلا بالنزر اليسير منها.