أحسنت وزارة التعليم في توجهها الذي عبر عنه الدكتور العوهلي وكيل الوزارة باعتزامها التعاون مع وزارات: الداخلية والثقافة والإعلام والتجارة، إضافة إلى هيئة الرقابة والتحقيق لملاحقة مكاتب بيع الشهادات الوهمية والمزورة، ورصد حملتها، لإحالة كل من يثبت تورطه في شهادة وهمية أو مزورة، حتى وإن قدم طلبا لمعادلتها، إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم. ونسأل هنا: هل يظن أصحاب هذه الشهادات أنهم في مجتمع مغفل وساذج يمكن تمرير فعلتهم المشينة هذه عليه؟ وهل يظنون أن الجهات الرسمية التي تعادل الشهادات لن تكشفهم؟ وكيف يشعرون عندما يقدمون أنفسهم بعنوان أو لقب الشهادة التي يحملونها وهم يشعرون في قرارة أنفسهم وبينهم وبين أنفسهم أنهم يكذبون على الله وعلى أنفسهم وعلى مجتمعهم وعلى شرف العلم الذي تمثله الشهادة ؟ وكيف شعورهم عند المشاركة في اجتماع يناقش قضية لها علاقة بتخصصهم أو عندما يطلب منهم كتابة رأي أو تقرير عن موضوع معين يتعلق بتخصصهم عندما تكتشف ضحالة ما يقولونه أو يكتبونه؟ ألا يشعر هؤلاء بالخجل من أنفسهم أولاً ثم مِمن يتحدثون أمامهم أو يقرؤون تقاريرهم.. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم وهم يكذبون.. ويزورون.. ويتباهون بطلاناً وافتئاتاً.. في الآونة الأخيرة تم الكشف عن مزور شهادات عليا في إحدى مناطق المملكة، ويقال إن مسؤولين كانوا من زبائنه.. إن كان هذا صحيحا فإن ذلك فحشٌ أكاديمي يمارسه هؤلاء المسؤولون.. والمنطق يقول إذا وجدت البضاعة وجد المتسوقون.

والسؤال من هم مرتادو هذه السوق الذين تعدوا على شرف العلم وهتكوا به؟ ومن المسؤولون الذين شاركوه في هذا الهتك؟ أم أن الأمر لا ولن يقتصر على مثل هذا المزور؟ هناك دكاكين في جميع أنحاء العالم تبيع الشهادات العليا.. والأمر لا يتعلق بالمزورين وإنما يتعلق بالزبائن.. هناك من هم على رأس العمل ونفاجأ بشهادات الدكتوراه من دول عظمى في الشرق والغرب وحتى من دول لا يحسن هؤلاء حتى جملة واحدة من لغتهم، ونسأل: كيف حصل هؤلاء على تلك الشهادات.. ثم من هم ومن الذي على شاكلتهم؟ وهل نحن من الشجاعة حتى وإن كانوا ممن يدعون العلم والثقافة واللمعان أن نقول لهم اخجلوا على أنفسكم واستتروا.. على الأقل إن لم نستطع محاسبتهم.

أذكر أن مجلس الشورى في أحد جلساته تناول موضوع تزوير الشهادات.. وتناولها من زوايا عديدة.. فمن زاوية الأخطاء الطبية وضع فرضية أن الأخطاء الطبية نتيجة وجود من يمارسون العمل في المجالات الطبية بشهادات مزورة.. وكشف التقرير أن في المملكة 16 ألف ممارس صحي ممنوعين من مزاولة المهنة، فضلاً عن رصد 1073 شهادة طبية مزوّرة، وأكثر من ثلاثمئة شهادة تمريض غير صحيحة. وانتشرت مؤخراً قوائم من يحملون شهادات مزورة أثارت ردودا أكاديمية وشعبية في المجتمع السعودي حيث إن بعض الجامعات التي وردت لا وجود لها على أرض الواقع.. ونسمع عن قصص شراء شهادات للأبناء والبنات وعن قصص منع البعض من وضع اسم الشهادة التي يحملها أمام اسمه ما لم يكن قد تم تفرغه بالكامل للحصول على تلك الشهادة.. ونرى عدم الاستجابة على الرغم من وجود نظام حازم في وزارة الداخلية للتعامل مع المزورين بشكل عام.. ونعرف جميعاً أن أخطر أنواع التزوير هو التزوير الأكاديمي.. ونستطيع أن نكشف عن مستوى جانب من جوانب التنمية يتربع على هرمه مزور.. كما نستطيع أن نعرف الكوارث التي تحدث نتيجة ممارس في المجال الطبي شهادته مزورة.. ونستطيع أن نعرف مستوى طلاب في جامعة يقوم بتعليمهم وتدريبهم أستاذ شهادته من جامعة لا وجود لها.. والحقيقة أننا هنا أمام كارثة يجب التعامل معها بكل حزم ليس فقط بمنع صاحب الشهادة بحذف اللقب ولكن بتطبيق نظام التزوير الذي أصدرته وزارة الداخلية.. وإبعاد هؤلاء الكذبة الدجالين المحتالين المزورين عن مؤسساتنا مهما كانت مراكزهم أو لمعان أسمائهم أو حتى مستوى أدائهم.. ثم لا بد من تتبع المكاتب التي ملأت كافة وسائل الإعلام ومواقع التواصل بإعلاناتها.. ويجب أن نعرف الغث من السمين منها.. مجتمعنا ليس مجتمعاً بدائياً يقبل بأي مستوى وتتم مخادعته والكذب عليه من دجالين ومحتالين.. المجتمع بكل فئاته ومؤسساته أذكى من أن تمرر عليه هذه الممارسات القاتلة.. فهي مميتة لتنميته.. ومميتة لأفراده إذا مورست عليهم إجراءات طبية من غير متخصصين.. وقهر لأولئك الكادحين الصادقين الشرفاء الذين قضوا زهرة شبابهم وأفنوا أجمل أيام عمرهم مغتربين عن أهلهم ووطنهم يقضون أياما وليالي في سهر وكدح وهم وألم ويتعرضون لحالات حرجة في بعض الأحايين في سبيل الحصول على مؤهلاتهم العليا.. ثم يأتي محتالون كذابون مزورون ليتساووا معهم.. هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه من سلبيات تعتبر ظلما بحق هؤلاء.. لا بد من الخروج بنظام صارم : أولاً: للكشف عن هؤلاء المحتالين ومعاقبتهم وإبعادهم. ثانياً: إيقاف حدوث هذه الممارسات مرة أخرى. ويتم ذلك عن طريق كافة المؤسسات التي يجب أن ترصد أسماء من يحمل شهادات عليا وتتضافر جهود المؤسسات الأكاديمية والتعليمية والأمنية للكشف والمعاقبة وإيقاف حدوثها مرة أخرى بتبني معايير دقيقة ونظام محكم يشتمل على عقوبات محددة لمن يستغل تلك الشهادات في القطاعين الحكومي والخاص، وملاحقة المخالفين عبر اقتراح هيئة مختصة تكون من مسؤوليتها تتبع تلك الحالات، ويأتي ذلك في ظل انتشار تلك الشهادات، وظهور قوائم بأسماء حامليها.

مؤسساتنا الأكاديمية تستطيع التفريق بين الوهمي والمزور.. وأجهزتنا الأمنية قادرة على تطبيق نظام التزوير في حق كل من يزور أو يقدم شهادة من جامعة وهمية..ومؤسساتنا الإعلامية قادرة على التوعية ومساعدة أجهزتنا الأكاديمية والأمنية في توعية المجتمع أولاً ثم في إيصال رسالتهم الحازمة إلى كل من تسول له نفسه ممارسة الحصول على شهادة يوهم بها المجتمع.

وخلاصة القول، أننا أمام كارثة تسمى الشهادات الوهمية يحملها ضعفاء نفوس ليس لديهم ثقة في أنفسهم ويظنون أن المجتمع جاهل وساذج وأن مؤسساته من الضعف بحيث يمكن تمرير فعلتهم المشينة عليها.. يجب علينا كمجتمع أن نثبت لهؤلاء أنهم واهمون وأنهم سيحصلون على ما يستحقونه لقاء ممارساتهم.. فمثل هذه الممارسات شر ووبال على التنمية وعلى سلامة أفراد المجتمع.. وظلم للذين قضوا زهرة عمرهم.. وأجمل أيامهم يكدحون ويسهرون ويعانون ويتألمون للحصول على شهاداتهم العليا بكل جدارة واقتدار.