قال الأمير، محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، أمير منطقة جازان، مداعبا مراسل الزميلة (الشرق) (خذوا قلمي واكتبوا به ما شئتم). وحين قرأت جملة الأمير عنوانا رئيسا بالأحمر قبل الأمس، عادت بي الذاكرة إلى قصة متطابقة لي مع الراحل الأثير الكبير، غازي القصيبي، رحمه الله. هي بالضبط (حكاية المواطن لو أنه كتب بقلم المسؤول). كنت معه في جناحه الفندقي (بقصر أبها) يوم كان معاليه وزيرا للمياه. أتذكر جيدا أننا تابعنا سويا تفاصيل القبض على صدام حسين في أخبار فورية عاجلة. كنت (أشاغب) معاليه عن أزمة الماء، وللمفارقة هي ذات الأزمة التي تعيشها ذات المنطقة هذا الصباح بعد عقد من زمن الطوابير. فجأة وجدت قلم الوزير بين أصابعي وعندما أعدته إليه قال ضاحكا: خذه فقد تكون الأسرار في القلم.
ولكن: لا سمو الأمير، ولا معالي الوزير، سيعطينا ورق النفاذ الرسمي لنكتب عليها (كمواطنين) بأقلامهم (ما نشاء) من أحلامنا مع التنمية. لو أن غازي القصيبي أعطاني مع قلمه ورقة رسمية لكتبت فوقها ما ينقذنا من وزير الماء الذي تلاه وهو يصادر مشروعا معتمدا بجرة قلم. لو أن وزير الصحة أعطاني كمواطن قلما وورقة رسمية للكتابة فوقها بما شئت لما كنا اليوم بعد هذه الطفرة المالية الهائلة نطلب جناحا للأورام أو فتح القلب. لو أن وزير التربية أعطاني ورقة رسمية قبل حتى خمس سنين لكتبت بقلمه ما ينقذ أطفالي الخمسة من الدراسة في المطابخ المستأجرة أو تحت هناجر الإضافة بالدور المسروق فوق سطح المدرسة. لو أن سمو وزير البلديات أعطاني مجرد قلم بلا ورقة، لكتبت إليه أن (ثلث) مدينتنا لا يعرف من ميزانية وزارته (جرة قلم) لمسؤول منذ عقد كامل من الزمن: آه لو أعطاني سمو الأمير، الوزير، قلمه لأكتب لمقامه تاريخ الكوارث والفضائح التي لا تصل إليه، فأنا لا أحلم بشيء قدر أحلامي بورقة صغيرة صادقة ومخلصة تذهب إلى مكتبه. أصحاب السمو، أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة والسعادة: أيها الحفل الاستعراضي الكريم: نحن لسنا بحاجة إلى أقلامكم، كهدايا، في جيوبنا، قدر حاجتنا لأقلامكم بين أصابعكم وفوق أوراقكم الرسمية. نحن لسنا في أزمة مع الأقلام ولا في نقص من الأوراق... ولكم بأقلامكم أن تكتبوا بقية القصة.