بعد أكثر من عامين من أدبيات الربيع العربي، ومن صوره التلفزيونية المثيرة، وصلت مصر إلى أن تحرق مقر اتحاد كرة القدم. أصبحت حتى الكرة جزءاً من المؤامرة على الثورة. ويمكن لنا اليوم بكل ثقة أن نقول إن ما حدث في مصر (بالأمس) يمثل بشكل قاطع خراج الربيع العربي ومن ثم خراج هذه الثورة. وحين تصل الثورة، أي ثورة، إلى الانتقام من مؤسسات مثل كرة القدم فلك، بكل صراحة، أن تركل بقدميك أهداف هذه الثورة.
سأعود للحديث عن ثقافة الديموقراطية. الديموقراطية ليست وصفة طبية يستوي بعدها كل المرضى في (الخراج) بعد بلع المصل. الديموقراطية تربية تحتاج إلى عشرات السنين والديموقراطية وعي مجتمعي شامل يحتاج إلى شروط وأركان مثلما تحتاج إلى مجتمعات تؤمن بمبادئ الديموقراطية.
وعلى الشاشة أمامي الآن قسمة المجتمع المصري من الديموقراطية. أمامي على الشاشة الآن تسعة أحزاب للحركة الإسلامية من الإخواني إلى السلفي إلى الجماعة الإسلامية. أمامي أيضاً اثنا عشر حزباً للقوى الليبرالية المصرية. أقدمها الوفد وآخرها المؤتمر ومن ثم الدستور. أمامي أيضاً تسعة أحزاب للقوى الاشتراكية اليسارية. وبين هذه القوى تتناثر أيضاً بضعة أحزاب أوصلت هذه العزيزة (مصر) لأن تكون بضعة وستين حزباً وكل هذا باسم الديموقراطية.
خذوا في المقابل: تتنافس ديموقراطية أميركا بمجرد حزبين. في بريطانيا تتناوب ثلاثة أحزاب يضطر فيها الحزب الاجتماعي إلى التطابق مع حزب من أجل الأغلبية. ألمانيا بثلاثة أحزاب وفرنسا يتناوبها حزبان منذ ثلاثة عقود من الزمن. والخلاصة أن ما بيننا والغرب الديموقراطي، وفي الديموقراطية نفسها، هو المسافة الفاصلة نفسها ما بيننا في العلوم والتقنية والأبحاث وفي المسافة الكونية. نحن نحاول أن (نستلف) منهم وصفة للديموقراطية دون أن ندرك أن الديموقراطية ليست حبة علاج أو مصلا دون أن نستوفي الشروط والأركان التي تحتاجها هذه الديموقراطية. وبمثل ما هم قبلنا بمئتي عام على الأقل في الأبحاث والعلم، بمثل ما هم أيضاً سابقون بمئة عام في هضم مفاهيم الديموقراطية. نحن نختصر الديموقراطية في مجرد (صندوق) للانتخاب دون أن نعرف أن (الصندوق) هو العقل وأن الديموقراطية هي وعي وتربية.