يعد (8 مارس) "يوم المرأة العالمي" يوما خصص لتذكير العالم بظلمه للمرأة، الظلم الذي لا أشك في أنه طبق على مدى التاريخ بشكل فاضح، خارج دائرة المنهج الإسلامي، في هذا اليوم أشعر أني في قمة لا تجلس عليها إلا مثيلاتي ممن آمن بلا إله إلا الله محمد رسول الله، نساء عشن في ظل مجتمعات تجل تعاليم الدين الإسلامي وتطبقه، مجتمعات تتذكر دوما وصية رسولنا الكريم في خطبة الوداع (رفقا بالقوارير)، فعليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى لم يقل رفقا بالنساء.. بل قال رفقا بالقوارير، فالنساء يشبهن القوارير في رقتهن وبريقهن وجمالهن وحساسيتهن، وعند تعامل الرجل المسلم معهن عليه أن يراعي ذلك كله، فلا يخدش حياءهن ولا يجرح مشاعرهن ولا يكلفهن بما لا طاقة لهن به، لا يظلمهن ولا يستغل ضعف أجسادهن.. ولأني أمارس حياتي في ظل هذا الإيمان وأعمل -كلما سنحت لي الفرصة- على بيان هذه النعم، أدرك تماما أن الكثير من شابات المملكة العربية السعودية ممن أتشرف بتدريسهن في مراحل التعليم الجامعي يدركن تماما ما أقول، بل يمددنني بالكثير من الحجج التي أقف أمامها إجلالا وتقديرا.. فهن مطلعات واعيات ويملكن من الوعي ما يساعدهن على السير إلى الأمام بكل ثقة بحمد الله سبحانه.

في الواقع، أشعر بالرثاء لتلك المرأة التي لا تملك تشريعا سماويا يحفظ لها حقها، ويوقف من لا تردعه القوانين الوضعية عن ظلمها، القوانين التي صاغها الرجل بعقله وفكره وغرد لأجلها، فهو يفتح لها الباب للعمل، ولكنه يرفض تماما الاعتراف بحقها بأجر مساو لعمل مماثل لعمله، هو يكلفها بما لا تطيق من أعمال، بلا رحمة ودون تقدير لخصائصها، ويوهمها أنه يفعل.

في (اليوم العالمي للمرأة) أرثي حال تلك المرأة التي أوهمت أنها إلى الجنة سائرة، المرأة التي تعيش في ذلك الوهم مع إدراكها يقينا أن جداتها عشن لسنوات وسنوات وهن يجبرن على العمل في ظل ظروف لاإنسانية، مدركة لمكافحتهن من أجل الحصول على الحق في أجر مساو لأجر الرجل، في حال مارسن نفس المهن وبنفس المؤهلات، وهي مطلعة على المخاطر التي تعرضن ومازلن يتعرضن لها، سنوات وهن ينددن ويسرن في المسيرات، سنوات وهن يصرخن ويخطبن ويكافحن، في حين كان الرجل يكتفي بالوعود، ويوهمهن بأنهن على الطريق الصحيح.

ويعلم الله لو أني كنت تلك المرأة- معاذ الله أن أكون- لو كنت مواطنة لبلادها، لما وقفت مكتوفة الأيدي، ولما قبلت بحال مثل حالها، ولذلك أتفهم تلك النظرات التي تصلني عندما أضع أمامهن ما أعيشه من مساواة في الأجور، والمطبقة في القطاع العام في بلادي (المملكة العربية السعودية) وكيف أني أنال في وظيفتي كأستاذ مشارك في الجامعة ما يناله من نال درجتي ومارس مهنتي من الرجال، وأن من بيننا رجالا ونساء يحصلون على أجور أكثر من غيرهم في حال تم تكليفهم بمهام إضافية، فالإنتاج هو العبرة في تقييم الأجر لا جنس الموظف ذكرا كان أم أنثى، أتفهم تلك الغيرة ما أن تسمع قول الله سبحانه: (للرجالِ نصيبٌ مِمَّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن).

وكثيرا ما أضع أمامهن ما أشارت إليه الدكتورة عائشة بنت عبدالرحمن (بنت الشاطئ) من أن المرأة الغنية أو الوارثة أكثر حظا من الرجل، فهي معفاة من أي تكاليف سواء كانت على نفسها أو على أطفالها أو غيرهم، في حين يلزم الإسلام الرجل ولو كان فقيرا بالإنفاق عليها سواء كانت أمه أو أخته أو زوجته وطبعا بناته، بل وكافة من يعول، أتفهم تلك النظرات الضائعة تارة والمنكسرة تارة، عندما أضع أمامها ما تنال الموظفة الوالدة والحاضنة لطفلها، من أجر لتعود مجددا لعملها دون إجحاف من أي نوع، أفهم ذلك كله ولكني أعجب من تبرير باحثة يابانية للفرق الشاسع بين أجور النساء والرجال في بلادها، بأن ذلك يرجع إلى قلة إنتاجية المرأة مقارنة بإنتاجية الرجل، والذي قيس بمقاييس وضعها رجال بطبيعة حال، فأجرها هناك أقل من الرجال بكثير لأنها تنال إجازة لتضع طفلها، وتنال إجازة لترضعه، وكأني بها قد أخذت إجازة لتتمتع بجمال الطبيعة وتتأمل أمواج البحار.. يا سبحان الله!

لقد تفهمت ما سمعته من إحداهن عندما قالت بلهجتها العامية (عم بتحرئصنا) أي أني كنت أثير غيرتهن، ما أن وضحت أن المحرم في الإسلام حام للمرأة بالمفهوم الغربي (Bodyguard) الحارس الأمين، يحميها يوسع الطريق أمامها ويدللها...ألا يحق لنا أن نشعر بأننا كنساء سعوديات مميزات بديننا وقوانيننا التي تستمد من كتاب الله وسنته، وأننا بها نفوق غيرنا بمراحل، ومع ذلك لا ننكر وجود ظلم يقع على المرأة عندنا، ولكنها حالات فردية لا تعمم، حالات يتحملها المتسبب فيها.. ونحن كمجتمع لها بالمرصاد.

إن الناظر المحايد في قوانين بلادي يدرك أن بلادي سبقت القوانين والنظم الأوروبية والأميركية بمراحل، فقد حفظت للمرأة كرامتها وعاملتها كشخص كامل الأهلية، فلا يمكن للرجل ـ قانونا ـ التحكم في مدخراتها أو تقليصها أو الاستفادة منها لكونها امرأة.. بل لا يحق له التخلي عن الإنفاق عليها كونها غنية وتملك أكثر منه، بل لا يحق له منع توريثها بأي حال، أو التصرف في ميراثها، وفي حال فعل ذلك، فالقانون في صفها.

لقد تأملت حياة غيرنا من النساء ووضعت نفسي مكانهن فلم أتحمل، خاصة أني في شبابي المبكر قدر لي العيش في دولة أوروبية، وفي سكن للطالبات، وعايشت بنات شرقيات وغربيات في مثل عمري، فسمعت منهن كما أسمعتهن، ولذا أتفهم تماما تخصيصهن يوما يصرخن فيه ليذكر العالم بمعاناتهن، وظلم الرجال لهن، فقد عشن على مر تاريخ الإنسانية في قفص صمم لنون النسوة، قفص لم يقف على أرضه إلا بنات حواء، ومن هنا أستطيع القول: إن قضية المرأة الغربية ومن سار على نهجها لم تنته.

ومن هنا أطالب بلادي والمؤسسات البحثية في المملكة العربية السعودية تخصيص حراك ثقافي عالمي لبيان موقف الإسلام من المرأة والنظام السعودي منها، وأخص بهذه المطالبة (مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات)، فهي جديرة بتحقيق ذلك، والله المستعان.