بينما تشتعل المنطقة في صراعات داخلية، سواء اتخذت شكل المواجهات العسكرية في سورية التي انزلقت إلى "الحرب الأهلية"، أو في مصر حيث تحول الصراع السياسي لفوضى عارمة تُنذر بـ"ثورة الجياع"، أو ليبيا التي تقف على تخوم التقسيم، أو تونس حيث تحول الصراع السياسي فيها للعنف، فإن هناك ترتيبات غربية تواترت بشأنها التسريبات حول واشنطن التي يقال إنها غيرت إستراتيجيتها للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بما يعني أن البيت الأبيض قرر توجيه ضربة عسكرية وشيكة لإيران، ورجحت التسريبات أن تبدأ أميركا هجوما جويا على إيران خلال العام الجاري 2013، وفقًا لتقديرات مراكز دراسات غربية رصينة.

خلال الأيام الماضية نشرت صحيفة "أرجومينتي نيديلي" الروسية تقريرًا مهما يرصد حشد القطع البحرية الأميركية قبالة شواطئ سورية، ووصول بطاريات صواريخ "باتريوت" لتركيا، وتعزيز القوات الأميركية في قطر والبحرين والإمارات، وهو ما يؤكد صحة التسريبات الصحفية بشأن قرار ضرب إيران، لاسيما وأنها ذكرت أن واشنطن أدخلت نحو ثلاثة آلاف عسكري للعراق سرًا ويوجد نحو 17 ألف جندي أميركي بالكويت يمكن نقلهم للعراق في ساعات"، وأهمية المعلومات هنا تكمن في مصدرها وهي روسيا التي ترفض توجيه ضربة لإيران.

جمعتني خلال الأيام الماضية مناقشة مع "إريك تراجر" الباحث الأميركي في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" الذي التقى عددًا من قادة "الإخوان المسلمين" وبعض النشطاء الليبراليين وسألته صراحة عن دوافع واشنطن لدعم نظام الإخوان في مصر، فشرح تصوره الذي يستند لمعلومات من مصادر شتى، وكانت إجابته ببساطة صادمة هي: "دعم أمن إسرائيل"، موضحًا أن حركة "حماس" ترتبط عضويًا بالإخوان وتعتبرهم مرجعيتها الفكرية والسياسية، خلافًا لنظام مبارك الذي كان يتعامل معها بقدر من التوجس، وكانت الحركة الفلسطينية لا تثق به، إذ طالما انتصرت (مصر ـ مبارك) للسلطة الفلسطينية، واعتبرت أن "حماس" انقلبت على الشرعية.

لهذا تبلورت لدى مراكز صنع القرار بواشنطن قناعة مؤداها أن الإخوان بوسعهم احتواء "حماس" والسيطرة على الموقف أفضل من مبارك، الذي أصبح حجر عثرة لحسم الصراع المحتدم بين "حماس" وإسرائيل من جهة، والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

وساق الباحث أدلة وقرائن لإثبات صحة هذه الرؤية التي ترجمت عمليًا برضا أميركي واضح لإحلال الإخوان محل مبارك، والدعم السياسي والاقتصادي لتجربة حكم الإخوان، مقابل السيطرة على الموقف في غزة، بينما تتكفل الأردن بالضفة الغربية، وبذلك يمكن تهيئة الأجواء نحو "حل الدولتين" وتهدئة هذا الملف ولو مرحليًا، لتتمكن واشنطن من توجيه ضربتها لإيران قبل أن تصل للمرحلة الحرجة في مشروعها النووي.

وحينما سألت الباحث الأميركي عن ذلك الغزل الواضح بين أحمدي نجاد الذي التقى نظيره المصري في القاهرة في أول زيارة لرئيس إيراني لمصر منذ 1979 خلال مشاركته في قمة منظمة التعاون الإسلامي، ابتسم ساخرًا وقال إن هذا ليس أكثر من مجرد "بروباجندا"، لكن (مصر ـ الإخوان) أكدت لوزير الخارجية الأميركي كيري في زيارته الأخيرة أنها لن تكون طرفًا في مواجهة عسكرية مع طهران، لكن لا بأس بتصريحات تدين وتشجب، لكنها في النهاية لن تصطف خلف نظام الملالي لاعتبارات برجماتية، فلدى الإخوان ما يكفي من الأزمات السياسية والاقتصادية، وأن معظم مفاتيح حل تلك الأزمات بيد واشنطن، وهو ما يدركه الإخوان جيدًا، لهذا فلن يقامر نظام مرسي وجماعته بمصالحه مع الأميركيين، كما لن يسمح الجيش المصري بمغامرة من هذا النوع.

بعد مناقشات مطولة تبلورت لديّ قناعة مؤداها أن إخوان مصر يلعبون دور "مقاول الباطن" لاحتواء أي سلوك عدواني من قبل "حماس"، وهو ما ترجمته الصفقة الأخيرة بين الحركة وإسرائيل، التي لعبت فيها الجماعة دور "الوسيط الكفيل"، مقابل أن تواصل واشنطن دعمها ولو بالصمت على ممارسات نظام الإخوان، والتي أشعلت الاضطرابات السياسية والشعبية والأمنية في مصر.

أما الأمر الذي لا أجزم بموقف واشنطن فيه فهو: ماذا ستفعل لو تصاعدت هذه الاضطرابات في مصر لنقطة حرجة تقتضي نزول الجيش لضبط الأوضاع في الشارع، كما يحدث بالفعل في مدن القناة الثلاث؟

أما عن الضربة العسكرية لإيران فهي "آتية لا ريب فيها" وليست سوى "مسألة وقت"، فها هي مقولة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق حاضرة في ذهني: "من لم يستمع لصوت طبول الحرب في الشرق الأوسط فهو مصاب بالصمم"، إذ تحمل إشارات واضحة باستدعاء آلة الحرب للمنطقة، وأن إيران ستكون البداية باعتبارها العدو الأول لواشنطن، التي تهدد أمن إسرائيل والخليج، وتدعم حركات الإسلام السياسي الراديكالية.