بجملة واحدة، وبعد (رشفة) من كوب الماء البارد في الأستديو الفضائي لقناة العربية، يقول (سيد إمام) أو الدكتور فضل، كما هو اسمه الحركي، بالحرف "إن كل من انتخب الدكتور محمد مرسي هو كافر".. والتبرير الذي يأخذ المسلم عن الذهول " لأن الرئيس كافر بأجندة سياسية كافرة". وعندما سأله المذيع أن الذين انتخبوا الرئيس محمد مرسي هم نصف الشعب بأربعين مليونا من الناخبين، كان الجواب أيضا: ليس المهم عدد الملايين من الكفار، ففي الصين مليار ونصف من الكفرة. وبالطبع تقرأ وتسمع من لسانه خيارات التكفير لشعب كامل بين خيارين: إن انتخبوا محمد مرسي فهم كفار تبعا لأجندة كفر، وإن انتخبوا المرشح الآخر فالجواب أدهى وأعظم. وكل الدهشة لم تصل بذروتها معي في لحظة من حياتي وأنا أتتبع هذه الخطابات المريضة، مثلما وصلت بي مساء ما قبل البارحة: سأختلف في تفاصيل (الدنيا) سياسة ومنهجا مع الرئيس محمد مرسي، ولكنني لم أتوقع مطلقا أن أسمع تكفير هذا المؤمن النزيه الشريف، وأن تجر الفتوى وراءه واحدا من أكبر شعوب الإسلام إيمانا وتمسكا.

سيد إمام، أو الدكتور فضل، هو شيخ الجماعة الإسلامية المصرية، وهو صاحب كتب المراجعات الشهيرة التي كنا نظن معها أنه (ودع) التكفير، مثلما هو أستاذ ومرجع تلميذه (أيمن الظواهري)، وهما مع هذا المنهج قصة تستحق السرد: بعد كتب المراجعات نشر (التلميذ) كتابه الشهير (التبرئة)، وفيه استنكر على شيخه تراجعاته عن فتوى التكفير والجهاد والقتل، وأعلن براءته منه، فرد سيد إمام عليه بمذكرة مطولة تحت عنوان: (التعرية لما جاء في كتاب التبرئة). ومن المدهش أنك حين تقرأ مقدمتي هذين الكتابين بالتحديد فإنهما يتباريان من الصفحة الأولى وكل منهما يقول بالحرف: أنا لا أقول في الكتاب إلا: قال الله تعالى وقال رسوله.

تكمن القصة برمتها أن هذا السواد الكثيف من الأدبيات التي تكفر المجتمعات والشعوب لم تعد زاوية مجهولة في حدود ( مدى الصوت)، ولا كتابا على ورق قديم في رف شارد. القصة أن هذه الأفكار السوداء أصبحت قنوات فضائية هائلة، مثلما هي أيضا (ضغطة) إلكترون تسبح في فضاءات الدنيا، وقد لا تستغرب أن ابنك في الغرفة المجاورة يسهر عليها ويصحو صباحا على هذه الأفكار ليكفِّر أهله من سكان الغرفة المجاورة.