م. عايض الميلبي
في العادة يكون التحدي في الصعود لأعلى، لكن الوضع كان مختلفا بالنسبة "لفيليكس"،
إذ كانت صعوبة المهمة تكمن في مسافة الهبوط، والزمن الذي يستغرقه بعد أن يتحرر من كبسولته، ويصبح حرا في الفضاء. إذاً كان هدفه مرهونا بمدى قدرته على المجازفة والانطلاق نحو الأرض بسرعة الصوت، فكانت الصعوبة، كون تحقيق الأهداف دائما وأبدا مرتبطا بالمصاعب والمتاعب والتضحيات.
إن الحدث التاريخي الذي لم تتجاوز أحداثه بضع ساعات هو نتاج عمل دؤوب، استمر عدة سنوات. فقد خطط المختصون لساعة الصفر جيدا، وفكروا مليا في كل العوامل التي تتعلق بنجاح هذه التجربة الفريدة، وتسلحوا بالعلم الحديث وتقنية العصر؛ لتحقيق هدف "فيليكس" الذي اعتبره البعض جنونا لا طائل من ورائه. وحري بمن يُخيل إليه أن
الأمر مجرد قفزة في الهواء من علو معين، أن يسخر من الحدث ويهون من أهميته؛ لأنه لا يستطيع إدراك ما استند إليه من تطبيق فعلي لقوانين، ونظريات وحسابات معقدة قد نمر عليها في مراحل تعليمنا مرور الكرام، دون أي تطبيقات ملموسة. يدرس طلابنا قوانين الجاذبية والحركة غير أن دراستهم لها مجرد حفظ وتلقين، الغاية منها حصول الدارس على علامات تؤهله للنجاح، والانتقال للمرحلة اللاحقة. ما أعتقده أن تجربة "فيليكس" تستحق التأمل والوقوف عندها، فهي قد تحرك مياه آسنة أغلقت منافذ الإبداع والتقدم لدى كثير منا.
ومن أهم الدروس المستفادة من تلك المغامرة: أن طريق النجاح وتحقيق الأهداف لا يمر عبر الأماني والتنظير فقط، بل إنه طريق شاق تحفه الصعوبات والتحديات التي تتطلب تضحية وجهدا، وعزيمة لا تعرف التراخي.
ومن الدروس أيضا، أنه لا جدوى من العلم، طالما ظل ساكنا في بطون الكتب أو عقول الرجال، وهذا ما وعاه الغرب، وغفل عنه العرب. لهذا تجد الكثير منهم يعتقد أن الأمر مجرد صعود لارتفاع معين، ثم قفزة تحطم رقما قياسيا.
وفي هذا الصدد قد يسمع شخص ما قصيدة شعرية، فيصغي لها جيدا، ويتعجب من
إتقانها وصياغتها وأسلوبها، بينما لا يلقي بالا لحدث تاريخي مهم كقفزة النمساوي "فيليكس". وسبب ذلك أمر بديهي، هو أن ذلك الشخص تخيل ما قاله الشاعر، ولم يستطع تخيل حدث علمي استغرق التحضير له سنوات عدة.