وكي نصل إلى فهم مشترك، سمو الأمير، لما يبدو في الظاهر أنه اختلاف فيما بيننا على (تفكيك) رؤية ومصطلح، سأقول لكم اليوم إنني أتفق معكم تماما في كل حرف بعد الثلث الأول من مقالكم الأثير المثير، ولو أن ليدي وأفكاري وقلمي من خيار لما كتبت بأروع منه إيمانا ووصفا بحق أخي المواطن وبحق الوطن الذي نذرت حياتي من أجله. سنبقى في نقاش حول الثلث الأول من المقال لأنني مؤمن أنني (لا أشتم مواطنا تدافع عنه) ومن الخطأ بمكان اختزال الجوهر في هذه الفكرة.
ودعنا نحتكم، سمو الأمير، إلى الفصل الاجتماعي من نظرية (النقد الثقافي) وفي جوهرها ستظهر لنا ما يسمى عرفا بالصورة النمطية (stereotype). ومن التراث سأكتب لكم وصف عمرو بن العاص الشهير لأهل مصر ولكن أحدا لم يقل إن وصفه هو الصورة المصرية الخالصة. ومن الحداثة في نظرية (النقد الثقافي) سأحيلكم جميعا إلى رواية علاء الأسواني عن (عمارة يعقوبيان) وفيها خيال استثنائي لمؤلف يقف على الرصيف المقابل للعمارة ثم يخلع كل جدران العمارة ليبدأ من الشارع تشخيص ثمانية نماذج من حياة العائلة المصرية والمواطن المصري ولكن أحدا لم يقل إن هذه النماذج هي صورة مصر ووصف كل مواطن مصري. وبذات التوصيف لم يقل أحد أيضا إن كتاب جمال حمدان، الشهير عن (شخصية مصر)، هو توصيف لكل الاجتماع المصري. وحتى على المثال البسيط سأكتب لكم أن ابني الأوسط (محمد) يمثل شيئا من كل الأشياء المشتركة في شخصية أخويه وأختيه ووالديه ولكنه ليس الصورة الشاملة للتعميم عن مسلك عائلة. والخلاصة أن كل آداب وأدبيات الشعوب والأعراق والمجتمعات تكتب وترسم الصورة النمطية، لأن هذه الصورة هي (فوتوغرافيا) الأفراد التي تنسحب على المجتمعات وإن بنسب قليلة ومتفاوتة. مسالك الأفراد وبعض صورهم فيها الكثير من الدلائل الجمعية وفي هذه الزاوية من الباب الاجتماعي كتبت كل الشعوب والأعراق عن (صورها النمطية) من باب النقد الثقافي فلا تكاد تجد شعبا أو عرقا على وجه الأرض إلا وكتب عن (الصورة النمطية) فلم يقل إنه شتم أو جلد للذات أو تقريع من قيمة المواطنة، والفارق بين (مقالينا) سمو الأمير، أنك نظرت لصورة المجموع من تصور للعام السائد وأنت على كامل الحق، رغم انحيازك للمثاليات في المؤمل من الصور النخبوية، بينما أنا كتبت عن (النمطي) عن الصورة التلقائية في توصيف الشعوب وقد يكون لطبيعة حياتنا أثر وبصمة في الرؤية لما نكتبه وهنا يكمن الفارق.