فقد الوسط الفني السعودي مساء أول أمس واحدا من أعلامه ورواده المميزين، وهو الفنان هاني السعدي عقب إصابته بأزمة قلبية، أثناء ممارسة رياضة المشي مع زوجته في حي الحمراء قريبا من محل سكنه، حيث نقل على إثرها إلى المستشفى، وفارق الحياة. وحسب شقيقه "خالد" فإن الراحل لم يكن يشكو من أي مرض، وكان بصحة جيدة، وأضاف "لقد فقدنا أخا كبيرا نحتسبه عند الله"، وقال ذوو الفنان الراحل إنهم بانتظار أحد أبنائه الذي يدرس في الولايات المتحدة، ويتوقع أن يدفن الفنان اليوم.
ولد الفنان هاني السعدي أثناء إقامة والده في العاصمة الأردنية عمان لفترة محدودة في ربيع عام 1948، وعاد به والده إلى مسقط رأسه في مكة المكرمة بعد أن بلغ السنتين من عمره، حيث التحق والده بالجيش العربي السعودي، مما اضطره إلى التنقل من مدينة إلى أخرى.
بدأ هاني دراسته الابتدائية بمدرسة الشرقية في مدينة الطائف، ثم انتقل بعدها إلى مدرسة الأبناء بالرياض، ثم انتقل والده إلى مدينة الخرج التي لم تتوفر فيها أي مدرسة آنذاك، فاضطر والده لإرساله إلى لبنان للدراسة في مدرسة الشويفات الداخلية، ثم انتقل بعدها إلى الأردن ليبدأ دراسته الإعدادية في مدرسة العروبة بعمان، ولينتقل من هناك إلى الرياض لإتمام دراسته الإعدادية بمدرسة الأبناء، وانتهى بوالده المطاف إلى مدينة جدة، حيث التحق الفتى بمدرسة الشاطئ الثانوية، ومنها تخرج، وبدأ مشوار حياته العملية والفنية.
أظهر الفنان الراحل اهتماماته الفنية في مطلع شبابه، حيث كان يهوى القيام بعمليات المونتاج للأعمال الغنائية، ثم تطورت اهتماماته الفنية حين التقى أثناء دراسته في مدرسة الشاطئ الثانوية بشخصيتين ستشكلان مستقبلا منعطفا هاما في تاريخ الأغنية السعودية هما الملحن الفنان محمد شفيق، والملحن الفنان سراج عمر، حيث كان شفيق وآخرون قد أسسوا ما أسموه يومها "فرقة النجوم" التي ضمت عددا من الفتيان سيكون بعضهم من أقطاب الأغنية السعودية مثل الفنان محمد عبده، وجعل محمد شفيق من منزله مكانا يتلقون فيه التدريب، وإجراء البروفات والتسجيلات.
وظن سراج عمر أن مواهب هاني السعدي تتجه إلى الغناء فرشحه لغناء أغنية "نار ونور" لكن حدس "عمر" لم يكن كافيا ليتجه السعدي إلى الغناء رغم حبه له، فسرعان ما تعرف على فرقة مسرحية، انخرط في نشاطها بحماس، وقدم مع حمدان شلبي، ومحمد قاسم علي البطاطي أولى مسرحياتهم بعنوان "زنوبة"، وكان أول أجر يتسلمه عن مشاركته بالمسرحية 50 ريالا.
شجع هذا النجاح الفنان على التقدم للإذاعة السعودية، وحاز على الموافقة ليكون ممثلا في الإذاعة بتاريخ 28 / 10 / 1965، فشارك بالعديد من البرامج والمسلسلات الاجتماعية، وما إن بدأ بث التلفزيون السعودي، حتى وجد الفنان ضالته فيه، فاتجه للتمثيل، وشارك في عدد من المسلسلات التلفزيونية بالأبيض والأسود، ولعل من أهمها "رياح العاصفة"، و"نافذة على الحياة" التي أخرجها طارق ريري و"قيس وضياء" من إخراج رشيد أسعد و"مشاكل وحلول"، و"ركب النبوة" من إخراج عبدالعزيز الفارس.
وفي عام 1972 عاد الفنان ليعمل في الإذاعة السعودية إلى جانب عمله في التلفزيون السعودي، ثم نال الترقية إلى الدرجة الأولى عام 1976، ومنها انتقل إلى عالم الإنتاج والإخراج.
افتتح الفنان الراحل أول أعمال التلفزيون السعودي الملونة بإنتاج وبطولة سهرة تلفزيونية باسم "نور العيون"، وعرضت هذه السهرة يوم الخميس في 2 / 6 / 1977، وكانت من الجودة بحيث دفع ذلك مدير عام التلفزيون إلى تقديم خطاب شكر للفنان على إنجازه. وبعدها توالت أعمال الفنان إنتاجا وإخراجا، حيث بدأ في العام نفسه بإنتاج فوازير رمضان التي كانت تستقطب عشرات الآلاف من الأطفال في الشهر الكريم، وقدم الفنان هذه الفوازير في الأعوام 1978، 1980 ،1981، وبذلك يكون أول منتج خاص لهذه الفوازير، حيث كانت تنتج من قبل بواسطة محطة تلفزيون المدينة المنورة.
وفي عام 1992 ميلادية ابتكر الفنان الراحل عائلة "بابا فرحان"، وشارك في هذا المسلسل طوال سنوات عرضه على شاشة التلفزيون السعودي ما يقارب 300 ممثل بعضهم ارتقى إلى مستوى النجومية، وقد استثمر الفنان هذه الشخصية المحبوبة، فقدم عدة مسرحيات لعبت شخصيات مسلسل عائلة "بابا فرحان" أدوارا فيها، وجاب بها عددا من المدن السعودية حيث ركز في هذه المسرحيات على الرسالة التربوية، والوطنية التي أراد إيصالها لأطفال المملكة من حيث الشعور بالانتماء الوطني، ودفعهم إلى التفاعل مع شخصية طفولية عربية، تحل محل الشخصيات الغربية التي تغزو عقول الأطفال العرب.
وفي الحديث الأخير للفنان مع "الوطن " قال إنه يعمل على إطلاق "بابا فرحان" عربيا كشخصية كرتونية، وفي أيامه الأخيرة تحدث الفنان عن ترقبه لموعد مع وزير الثقافة والإعلام لطرح فكرة مشروعه، لكن القدر لم ينتظر هذا الموعد واختطف الفنان بشكل مفاجئ لم يتوقعه أحد.
عمل هاني السعدي مسؤولا للمبيعات في الخطوط السعودية لمدة 33 عاما أنهاها بالتقاعد حيث تفرغ لأعماله الفنية، وقد تم تكريمه من عدة جهات رسمية وشخصية كان من بينها إشادة بأعماله من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد، كما اختارته اليونيسيف سفيرا للنوايا الحسنة، وهو المنصب الذي استقال منه احتجاجا على العدوان على غزة.