نظام المرور في عالمنا العربي من أهم الأنظمة الحكومية التي يجب علينا تطبيقها بصرامة بالغة للحد من حوادث الطرق القاتلة ولحماية السائق من نفسه. لكي يصبح النظام انضباطاً ذاتياً علينا تدريب المواطن على إنجاز مهامه وتأدية واجباته واحترام مجتمعه لنصعد معه إلى مصاف العالم الأول. ولكي يصبح التنظيم سِمةً حضاريةً مشرّفة في عالمنا العربي علينا أن نتابع المواطن في حلّه وترحاله للتأكد من انضباط سلوكياته وتحييد نزواته، حتى لا يصبح هذا المواطن عدواً لنفسه.

الدول المتقدمة تسعى جاهدةً لتطبيق أحكام أنظمتها بصرامة شديدة، خاصةً عندما يلجأ مواطنوها إلى الالتفاف حول النظام أو التحايل على التنظيم، قناعةً منهم بأن النظام لا عيون له أو آذان، لذا لجأت هذه الدول إلى وضع آليةٍ محكمةٍ لمراقبة مواطنيها والتأكد من تطبيقهم لأنظمتها، ومن أهمها نظام المرور "ساهر" للحد من حوادث الطرق القاتلة، التي أثبتت الدراسات الموثقة أن السائق هو السبب الأول في حدوثها.

بسبب حوادث الطرق يموت كل يوم 16 ألف شخص في مختلف أرجاء العالم، ليشكل هذا المعدل 25% من إجمالي كافة الوفيات في قريتنا الكونية. على المستويين العربي والعالمي، احتلت السعودية المركز الأول من حيث عدد وفيات حوادث الطرق لكل مئة ألف شخص بعدد 50 شخصا، في حين حققت ألمانيا المركز الأول بأقل عدد وفيات بالحوادث المرورية بعدد 6 أشخاص فقط. خلال العقدين الماضيين فقط ذهب ضحية حوادث الطرق بالمملكة 86000 شخص، أي أكثر من مجموع ضحايا حرب الأرجنتين (20000 شخص)، وحرب الصحراء الغربية( 15000 شخص) وحرب استقلال كرواتيا (16000 شخص) وحرب الهند وباكستان (13000 شخص) وحرب نيبال الأهلية( 13000 ) شخص وحرب الخليج (5200 شخص).

في العام الماضي أطلقت شركة "أرامكو السعودية" برنامجاً وطنياً مميزاً تحت عنوان "السلامة تبدأ بي"، من خلاله أوضحت "أرامكو" أن عدد وفيات العمليات الإرهابية في العراق خلال عام 2011 وصل إلى 4255 شخصا، مقارنةً بعدد وفيات حوادث الطرق بالمملكة في نفس العام التي وصلت إلى 7153 نسمة.

قبل تطبيق نظام "ساهر" كانت حوادث الطرق بالمملكة تؤدي إلى وفاة شخص واحد وإصابة 4 آخرين في كل 55 دقيقة. خلال السنوات الخمس الماضية فقط فاقت حوادث الطرق بالسعودية مليوني حادث، ونتج عنها مقتل 30 ألف شخص و177 ألف مصاب، نصفهم من الشباب، وفاق متوسط خسائرها الاقتصادية 18 مليار ريال سنوياً، ورفعت نسبة إشغال المستشفيات السعودية إلى 36% من سعتها.. بعد تطبيق نظام "ساهر" أكدت إحصائيات إدارة المرور انخفاض عدد وفيات حوادث الطرق بنسبة 46% والإصابات بنسبة 55%.

الدراسة الحديثة التي أعدتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب عن واقع حوادث الطرق في العالم والمنطقة العربية، أشارت إلى أن الحوادث في عالمنا العربي تتسبب سنوياً في وفاة 20000 شخص وإصابة 200 ألف جريح، وهذا يُعّدُ أعلى معدل لضحايا حوادث الطرق في العالم. كما أكدت الدراسة أن عدد الإصابات لكل 100 ألف نسمة يصل إلى 352 في سلطنة عمان، و2600 في مصر، و7606 في الكويت، و13505 في السعودية. وأضافت الدراسة أن مصر تستأثر بأعلى نسبة حوادث سير المشاة على الطرقات لكل 100 ألف شخص، حيث يسجل فيها سنويا 1959 حادث سير، مقابل 1799 في الكويت، و1424 في السعودية، و961 في الإمارات، و494 في الأردن، و134 في سورية، و141 في العراق.

في العام الماضي سجلت إدارة المرور بمنطقة الرياض 2,658,670 مخالفة، بمتوسط 7300 مخالفة يومياً، دون احتساب مخالفات "ساهر" عبر الرصد الآلي. واشتملت هذه المخالفات على 204778 مخالفة سرعة، و64020 مخالفة دوران غير نظامي، و89365 مخالفة قيادة بدون رخصة، و69123 مخالفة قيادة بدون استمارة. وفي قريتنا الكونية يتعرض أكثر من 50 مليون شخص للإصابات كل عام نتيجة حوادث الطرق. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي 62 مليون نسمة في عام 2020، لتفوق خسائر العالم الاقتصادية 610 مليارات دولار أميركي. وعلى الرغم من أنّ دول العالم الثالث تمتلك أقلّ من نصف المركبات الموجودة في العالم، إلا أن نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق فيها تتراوح بين 80% و90%، وذلك لأن 85% من هذه الدول لا تمتلك أنظمة صارمة تتعلّق بتحديد السرعة ومنع القيادة تحت تأثير الكحول أو أثناء استخدام الهواتف النقالة، إلى جانب عدم توفر أنظمة لاستخدام الخوذات الواقية وأحزمة الأمان والمقاعد الخاصة بالأطفال.

في المقابل قامت الدول المتقدمة خلال العقد الماضي بفرض أنظمة صارمة للحد من حوادث الطرق التي انخفضت بنسبة 36% من خلال تحديد سرعة المركبات واستخدام الكاميرات اللاقطة للسرعة غير النظامية، مثل مشروع "ساهر". كما انخفضت هذه الحوادث بنسبة 20% من خلال تحديد معدل الكحول لدى السائق، وبنسبة 41% نتيجة ارتداء الخوذات الواقية لدى ركوب الدراجات النارية. وتمكنت هذه الدول أيضاً من تخفيض معدلات الوفاة من الحوادث بنسبة 70% للركاب في المقاعد الأمامية من خلال تطبيق نظام ربط أحزمة الأمان وبنسبة 50% للأطفال بعد تنظيم ومراقبة مقاعدهم.

نجاح الدول المتقدمة في تخفيض وطأة حوادث الطرق جاء نتيجة حتمية لتطبيق أحكام أنظمتها الصارمة، فمتى نبدأ بتطبيق أنظمتنا لحماية السائق من نفسه؟