منذ مقتل زعيم تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن، يسود جدل واسع في الأوساط الدولية، والأميركية بشكل خاص، حول ما إذا كان تنظيم القاعدة قد أصبح أكثر ضعفاً أم أنه ازداد قوة. يقول مسؤولون في مكافحة الإرهاب بالإدارة الأميركية مثلاً إن التنظيم تعرَّض لإعاقة كبيرة، فيما يدعي بعض نقاد إدارة أوباما أن القاعدة أصبحت أكثر قوة من قبل. ولكي يتم فهم الحقيقة، تقول مؤسسة "ستراتفور" الأميركية للأبحاث في تقرير نشر في أكتوبر المنصرم أنه يجب تعريف تنظيم القاعدة والجهادية بشكل عام بشكل أكثر دقة.
شبكة من الشبكات
لم يكن تنظيم القاعدة منذ تأسيسه على يد أسامة بن لادن كبيراً، ولم يتجاوز أعضاؤه بضع مئات في أي فترة من الفترات، وتتم الإشارة عادة إلى هذه المجموعة، التي يقودها حالياً أيمن الظواهري، على أنها "القاعدة الأساسية".
ومع أن مؤسسي التنظيم قاموا بتدريب الآلاف في معسكراتهم في أفغانستان والسودان، إلا أنهم كانوا دائماً يعتبرون أنفسهم منظمة طليعية تعمل مع مجموعات متشابهة لتسهيل الجهاد الذي يعتقدون أنه ضروري لإقامة الخلافة الإسلامية. معظم الرجال الذين تدربوا في معسكرات القاعدة كانوا أعضاء في منظمات أخرى. تلقى هؤلاء تدريبات عسكرية أساسيةـ فيما تمت دعوة أعداد قليلة منهم لتلقي تدريبات إضافية في فنون الإرهاب مثل المراقبة، وتزوير الوثائق، وصناعة العبوات المتفجرة. ومن بين هؤلاء، دعي عدد قليل فقط للانضمام إلى تنظيم القاعدة الأساسي.
كان بن لادن يرى أن هناك هدفاً آخر للقاعدة: قيادة الهجوم على الحُكام الفاسدين في العالم الإسلامي وضد الولايات المتحدة، التي كان يعتقد أنها تدعم القادة الفاسدين. وكانت القاعدة تسعى لطرد الولايات المتحدة من العالم الإسلامي بنفس الطريقة تقريباً التي أخرج بها حزب الله اللبناني الولايات المتحدة من لبنان.
وهكذا أصبحت القاعدة شبكة من الشبكات. ففي عام 1998 على سبيل المثال، حمل بيان الجبهة الإسلامية الذي أعلن فيه بن لادن الجهاد ضد اليهود والصليبيين توقيع مجموعة من قادة التنظيمات الإسلامية مثل منظمة الجهاد الإسلامي المصرية (التي كان يقودها أيمن الظواهري في ذلك الوقت)، والجماعة الإسلامية المصرية، وجماعة علماء باكستان، وحركة الجهاد في بنجلادش.
بعد هجمات 11 سبتمبر، ضغطت الولايات المتحدة بشكل كبير على تنظيم القاعدة الأساسي مما أدى لقتل أو اعتقال عدد كبير من أعضاء وقادة التنظيم وتجميد ممتلكاته.
هذه الإجراءات جعلت هذه المجموعة تبقى صغيرة لأسباب عملياتية وأمنية. وظل باقي أعضاء المجموعة مختبئين في باكستان قرب الحدود الأفغانية وقد تأثرت قدرتهم على القيام بهجمات إلى حد كبير. وتنظيم القاعدة الأساسي لا يفعل أكثر من إصدار دعايات إرشادية لباقي العناصر الجهادية.
الفروع والتأييد الشعبي
كثيراً ما يشار إلى الجماعات المتشددة المحلية أو الإقليمية على أنها تنظيم القاعدة لأنها تتبنى فكر هذا التنظيم. بعض هذه الجماعات أعلنت عن ولائها لتنظيم القاعدة الأساسي وأصبحت أحد فروعه. وتشمل هذه المجموعات القاعدة في العراق، والقاعدة في المغرب الإسلامي، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومع أن هذه التنظيمات تحمل اسم القاعدة، إلا أنها تدار محلياً.
لكن العنصر الأوسع في الحركة الجهادية هي الخلايا الصغيرة، وحتى الأشخاص، الذين يؤيدون تنظيم القاعدة الأساسي ويعتبرونه مصدر إلهام لهم، لكنهم لا يرتبطون غالباً به بأي شكل من الأشكال. بعض هؤلاء يذهبون إلى مناطق مثل اليمن وباكستان لتلقي التدريب من فروع القاعدة هناك، لكن البعض الآخر لا يتصل حتى بفروع القاعدة.
اختلافات هامة
هناك بعض الفروق الهامة الأخرى بين هذه التنظيمات. فليست جميع التنظيمات الجهادية مرتبطة بالقاعدة، وليس كل المتشددين الإسلاميين جهاديين. يعرِّف ستراتفور الإسلاميين على أنهم أولئك الذين يؤمنون أن المجتمع يجب أن يخضع للشريعة الإسلامية. والمتشددون الإسلاميون هم الذين يتبنون القوة لتطبيق الشريعة، وهم موجودون بين السُنة (القاعدة) والشيعة (حزب الله).
في أماكن مثل العراق، وأفغانستان، واليمن، وليبيا، وشمال مالي تقاتل عدة جماعات متشددة قوات أجنبية، أو الحكومات، أو بعضها البعض. بعض هذه الجماعات جهادية، وبعضها ميليشيات قبلية، وبعضها يعمل في التهريب، وبعضها قومية. ولذا فإن تعريف وفصل وتصنيف هذه الجماعات يمكن أن يكون صعباً، وأحياناً تتغيَّر التحالفات وتتداخل مع بعضها البعض. ويصبح التصنيف أكثر صعوبة عندما تستخدم الجماعة أكثر من اسم بغرض التمويه أو لأسباب تتعلق بالعلاقات العامة، أو عندما تستخدم جماعات متعددة الاسم نفسه. على سبيل المثال، القاعدة في شبه الجزيرة العربية أطلقت على نفسها اسم "أنصار الشريعة" عندما كانت تقاتل للسيطرة على مدن في جنوب اليمن. لكن أبو حمزة المصري، المتطرف الذي ألقي عليه القبض في بريطانيا في 2004 وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة في 2012، كان يقود حركة اسمها "أنصار الشريعة". لقد استغل الإسلاميون المتشددون الفرصة التي وفرها الربيع العربي لزيادة نفوذهم في أماكن مختلفة من العالم العربي. لذلك، ومع أن تنظيم القاعدة الأساسي أصبح أكثر ضعفاً، فإن أجزاء أخرى من الحركة الجهادية تزداد قوة.