حين تتجول في الصحف الإلكترونية العربية ومواقع التواصل الاجتماعي تجد شباناً يحبون أوطانهم ويحيون من أجل الدفاع عن قضاياها. أيضاً تجد هؤلاء يمتلكون حباً يوازي ما يعيشون من أجله، يتمثل بالدفاع عن سمعة برشلونة، النادي الإسباني العريق، والذود عن حماه من شر الأعداء المدريديين.. وكثيراً ما يحاول هؤلاء تسخير الحب البرشلوني لخدمة ما يعتقدون به، حتى لو استدعى الأمر اختلاق الأخبار وترويجها على أمل أن يتلقفها خفاف القوم من الصحفيين، حتى أصبح بعض الدعاة من محبي النادي الكاتالوني يجزمون بإسلام ليونيل ميسي حباً في هذا الفتى وناديه، قبل أن يمتد الأمر إلى ترويج أخبار عن مواقف برشلونة في مساندة القضية الفلسطينية ودعوته إلى وقف العدوان ضد الشعب الأعزل في غزة، وهو ما لم يحدث.

وكثيراً ما تتعارض مواقف برشلونة مع مواقف محبيه، كما حدث بدعوة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت لحضور موقعة برشلونة ضد غزاة ريال مدريد في ساحة "كامب نو"، غير أن المحبين لم يعدموا الحيلة للحفاظ على سمعة محبوبهم، مما جعل هؤلاء يضخون سيلاً من الأخبار والتصريحات المختلقة التي ينفي فيها مسؤولو النادي معرفتهم بحضور شاليت، حتى بلغ الأمر وصول تلك الأخبار إلى خفاف القوم الذين نقلوها إلى صحفهم الرسمية! ومع أن هذه الحادثة كانت كافية لإحداث شرخ في علاقة الحب بين المحبين إلا أن شاليت حضر ونظرة الحب لكاتالونيا لم تتغير.

العدوى انتقلت بسرعة إلى أنصار النادي الملكي، فبمجرد اندلاع العنف بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة حتى بدأت الأخبار تتواتر عن عزم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بيع الحذاء الذهبي والتبرع بثمنه لأطفال غزة، قبل أن ينشر أنصار النادي الكاتالوني إشاعة مضادة تتمثل في نفي ريال مدريد لهذا الخبر جملة وتفصيلاً، مع أن معلومات رونالدو ومسؤولي النادي الملكي عما يحدث في غزة توازي تقريباً معلومات برج معوضة ومسؤولي نادي الشعلة عما يحدث في إقليم الباسك!

ويبقى الحال في العالم العربي على هذا النحو، فالنادي الكاتالوني وغريمه الملكي شريكان رسميان في الثورات العربية والقضية الفلسطينية وحتى حالات الطلاق، خاصة أن المواطن العربي إذا أحب شيئاً أفرط في حبه لدرجة الكذب، ربما كان الاستثناء الوحيد المطرب الإماراتي حسين الجسمي الذي أظهر قدراً من بعد النظر والواقعية حين اختار الانسحاب من المدرج المدريدي وباع النادي الملكي بقرشين من أجل حسناء تحب برشلونة، فأصبح من أجلها كاتالونياً محباً للشعار ولاعبيه.

الجسمي أدرك أن وجوده في المدرج المدريدي لا ينفع ولا يضر، وكذلك انتقاله بدون جواز سفر ولا بطاقة هوية إلى المدرج البرشلوني لن يصيبه بالحرج أمام الملايين الذين لن يتركوا متابعة المباريات والنظر إلى الرقم الجديد في المدرج!

يبقى الأمر الأهم أن الإفراط بتشجيع برشلونة وريال مدريد استفحل في السنوات الأخيرة بسبب أن كرة القدم في العالم العربي بدأت تحتضر، بل إن مجرد النظر إليها أصبح "يسد النفس"، فكان البديل منطقياً.. فالحلم أجمل من الواقع في أحيان كثيرة!