أهلكني أحد الأصدقاء "اللدودين جدا" بكثرة ما يوجهه لي من أسئلة وما يطلبه من استشارات في كل ما يخطر على البال (تعليمية، دينية، اجتماعية، نفسية، طبية)، رغم أنني لم أجلس في حياتي ولو لدقائق في قاعة لدراسة الطب أو علم النفس. فكلما سألني في هذين المجالين أضحك، وأتذكر ابتسامة أحد الأكاديميين (مختص في الفيزياء) وهو يفتي عبر الهاتف ـ بكل ثقة ـ في سؤال شرعي دقيق. وعندما أقفل الهاتف ورأى الدهشة في وجهي تبسم.. وقال: ماذا أعمل لهؤلاء الناس، رأوا بضع شعيرات في لحيتي، فجعلوني شيخ علم ومفتيا شهيرا.
أما المفاجأة الحقيقية التي لم أتوقعها في حياتي، فهي أن هذا الصديق "اللدود" أتاني قبل أيام طالبا مني أن أفسر حلمه "الكابوس". وبالطبع فهو لن يقتنع ولن يتركني وشأني إلا بعد أن أفسر له الحلم أو على الأقل أبحث عن مفسر أحلام. قلت له: هات حلمك، وبعدها نتفاهم! فقال لي: رأيت فيما يرى النائم أنني دعيت لمحفل ثقافي كبير، لا أدري هل هو معرض الرياض الدولي للكتاب أم مهرجان الجنادرية أم غيرهما.. المهم أن الوجوه التي كانت معي في "لوبي" الفندق، ليست وجوها عادية وبلون البشرة المعروف. قلت: كيف؟ قال: كل وجه بلون مختلف وكأنك تنظر إلى علبة ألوان مائية. فهناك الوجه الأحمر، وهناك الأصفر، وهناك الأخضر، وهناك الأزرق وغيرها! وفي لحظات اتصلت على أحد أشهر مفسري الأحلام "الفضائيين"، وطرحت عليه تفاصيل الحلم، وصديقي هذا يسمع.
وبعد أن حمد الله وأثنى عليه ودعا للجميع بالتوفيق والصلاح، قال مفسرنا الفضائي: اسمع يا بني .. حلم صاحبك خير إن شاء الله، وأما الوجوه الملونة فكل يدل على صاحبه، فالأحمر يدل على أن صاحبه عضو في جمعية عمومية أو مجلس إدارة ناد أدبي من تلك الأندية التي تشهد صراعات حادة، فقد يكون تلقى لكمة شديدة من أحد معارضيه، فكان كما رأيت. وأما الوجه الأصفر فهو شاعر أو قاص أو روائي من فئة أصحاب "المظلومية الدائمة"، الذين يصيحون في كل زاوية أو موقع تواصل اجتماعي بأن أقلامهم "الذهبية" مغيبة في "سراديب" النسيان بفعل فاعل! أما اللون الأخضر، فتأكد أن صاحبه من المرضي عليهم في كل زمان ومكان، ولذلك فهو حاضر في كل مناسبة ثقافية أو اجتماعية، لأن الإشارة "خضراء" دائما في طريقه. وفجأة سكت مفسرنا هذا عن الكلام فقلت له: وماذا عن بقية الألوان؟ فأجاب: الله أعلم بحال أصحابها.. فقد فشلت في فك رموزها!!