الحديث عن الأخطاء الطبية في وسائل الإعلام وطريقة عرضها والقطع بحدوثها وتأكيدها من قبل طرف واحد وهو المرضى ومرافقوهم وأقاربهم.. موضوع يحتاج إلى نقاش متأن يضع في الحسبان مصلحة جميع الأطراف ومراعاة كامل حقوقهم، بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي إذا استمرت بهذا الشكل فسوف يكون لها انعكاسات سلبية على الجميع.
يجب إعادة النظر في نشر أخبار تحمل صيغة التأكيد بوجود خطأ طبي، إلا أن يكون مشفوعا بما يثبت حدوث الخطأ من قبل المختصين الذين يملكون التأهيل والخبرة، ويكونون قادرين على فحص الإجراءات المتبعة مع المريض، وينتهون إلى معلومات حقيقية تمكنهم من القطع بوجود خطأ طبي أو نفيه، أما الاستمرار في التشهير بالأطباء لأسباب يثبت أن معظمها غير دقيق، والمتتبع للبعض منها يجد أنها مضاعفات محتملة يوقع المريض على إمكانية تعرضه لبعضها أو جميعها، ثم ينسى أو يتجاهل هذه المعلومة ويعطي لنفسه الحق في إصدار الأحكام الخاطئة على مهنة الطب بكاملها، ثم يكون متبوعا بالهجوم الإعلامي على الأطباء؛ فسوف ينتج عنه تخلي الأطباء عن إجراء العمليات التي ترتفع فيها نسبة الخطورة، ويعني ضمنيا التخلي عن المرضى ذوي الحالات الحرجة وعدم محاولة إنقاذ حياتهم، أو اللجوء إلى الانتقائية في إجراء العمليات الجراحية، وهو أمر بالغ الخطورة ونربأ بأطبائنا عن مجرد التفكير فيه، ونأمل ألا يدفعهم الإعلام غير المنضبط إلى ذلك.
فالمرضى وحدهم سيكونون الخاسر الأكبر إذا بدأ الأطباء الجراحون ومن يعملون في أقسام الطوارىء بالتفكـير في عدم إجراء العمليات ذات المخاطر العالية، أو اللجوء إلى الانتقائية أو التردد قبل التدخـلات الطبية الطارئة التي تعد محاولة إنسانية لإنقاذ حياة الشخص، وذلك بسبب الهجمة الإعلامية التي سوف يتعرضون لها في حال وفاة المريض، رغم أنها محتملة إلى حد كبير ومـؤكدة في حال عدم تدخلهم، والسبب في ذلك الخشية مـن إعلام بعيد عن المهنية يعتقد مسيروه أنهم أبطال عندما يعزفون على وتر المشاعر الإنسانية ويستثيرون العواطف بطريقة سطحية تصور الطبيب وكأنه مجرم رغم أنه في حقيقة الأمر بطل حاول بكل جهده أن ينقذ حياة المريض.
الأخطاء الطبية تحدث في جميع البلدان، والتصدي لها ومحاولة الحد منها أمر لا يختلف عليه اثنان، ويجب أن نعلم أن الأطباء حريصون على نظافة سجلاتهم المهنية، فضلا عن كونهم من أكثر الناس إنسانية، وحرصا على حياة المرضى، والأمر ليس من السوء كما يتم تصويره في وسائل الإعلام، وهذا لا يعني التخلي عن مناقشة الأخطاء وسوء الممارسة الطبية من قبل جميع العاملين في المستشفيات، بل العكس، الحديث عنها بشكل سليم يؤدي إلى الاهتمام بها بشكل أفضل، وسوف يكون مؤشرا حضاريا لمجتمعنا الذي نهدف جميعا إلى مصلحته ولا نشك في هدف جميع من يتحدث عن المشكلة، ولكن نختلف في طريقة طرحها ومناقشتها.
بعض الأطباء يجلبون لأنفسهم شبهة الشك في ارتكاب خطأ طبي، وذلك من خلال تجاهل حق المريض في معرفة العلاج والشرح الوافي له، حيث يلاحظ لزوم الصمت أو افتراض أن المريض جاهل ولا داعي للحديث المطول معه، وهذا خطأ يجب الانتباه له، لأن الأسئلة التي تبقى بدون إجابة تتحول إلى شكوك. الطبيب يعلم أن المريض معذور عندما يسأل، فهو لديه قلق حول أعز شيء في هذه الدنيا وهو الحياة، ولذلك يجب التوضيح وعدم الاستعجال والإجابة على جميع الأسئلة بشكل واضح وبشكل متوازن لا يحمل المبالغة في التهويل والتخويف ولا تسهيل الأمر بشكل أكثر من الحقيقة، والمرضى الذين تنتظرهم عمليات جراحية لهم حق خاص، فهم في وضع يتطلب منهم اتخاذ أصعب قرار في حياتهم، ويغضب بعض الأطباء من تردد المرضى أو إطالة التفكير، وهذا أمر يجب ألا يغضبهم.
معظم الناس يلفظون الأنفاس الأخيرة في المستشفيات، وليس من المعقول أن كل من توفي في المستشفى سوف نبحث له عن متهم نوجه له أصابع الاتهام، وإلا فسوف نفقد الأطباء، والأخطر من ذلك سوف نفقد الثقة فيهم.