"أهلكتموني.. عندي عمار.. لا مزيد من المال.. دبروا حالكم.. طن الحديد 8 ملم يتجاوز سعره 3 آلاف ريال.. بسببكم تراكمت الديون علي.."، .. تلك الكلمات أطلقها "أبو عدنان" ليعلن حالة من الاستنفار والتأهب، والتي بدأها فور شروعه في بناء مسكن العائلة.

طفلته "سلوى" البالغة من العمر تسع سنوات، والتي تدرك مدلولات تلك العبارات، استهجنت الطريقة التي أصبح يتعامل بها والدها مع جميع أفراد أسرته بمجرد ظهور مشروع بناء المسكن. تقول سلوى: "تغير والدي الذي كان لا يرفض سابقا أي طلب يخصني أو يخص بقية أفراد أسرتي، ولطالما كان حنونا علينا، ولكنه الآن تغير، وأصبحت القسوة تغطي ملامحه كلما أردنا الاقتراب منه".

وتابعت الصغيرة بحسرة: "لا أعلم سبب غضبه منا، لقد أصبحت الآن أخشى أن أطلب منه أي شيء، فينهمر علي بتلك الكلمات القاسية، تمنيت لو أن والدي لم يشرع في بناء منزل جديد لنا، حتى يبقى على ما كان عليه سابقا.

وهكذا تتسبب المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الأبوان في مشكلات اجتماعية تنعكس على أفراد الأسرة، وتبرز هذه المشكلات خاصة عندما تبدأ الأسرة مشروعا لتحسين وضعها المعيشي مثل بناء مسكن، حيث يمثل ذلك عبئا اقتصاديا جديدا.. خاصة على ذوي الدخل المحدود.. وبذلك أصبحت "عندي عمار" متلازمة لكل أسرة شرعت في بناء مسكن.

وتعبر "أم عدنان عن معاناتها بسبب تغير مزاج زوجها فجأة والذي تزامن مع بناء مسكنهم الجديد، حيث تقول: لم أكن أعلم بأن بناء المسكن الملائم لي ولأسرتي سيتحول إلى مشكلة تنغص مضجعنا، خاصة أطفالي الصغار، ناهيك عن القصص والموشحات التي يذكرها لهم والدهم وبطلها بطبيعة الحال أسعار الحديد والإسمنت، والمصاريف الزائدة، وفي اعتقاده بأن الأطفال الصغار سيستجيبون له ويحدون من كثرة الطلبات".

وتابعت قائلة: تلك الضغوطات التي ينقلها لنا زوجي يوميا تؤثر على استقرارنا الأسري، وأصبحت تهدد حياتنا الأسرية، وأخشى بأن تتطور إلى أبعد من ذلك، فتتحول إلى جفاء عاطفي بين الأب وأبنائه".

في المقابل لم يجرؤ عدنان الابن الأكبر، وهو في المرحلة الجامعية من إبلاغ والده بالعطل المفاجئ لسيارته، حيث عبر عن معاناته قائلا: "أعلم بأن جملة "عندي عمار" هي الاستجابة الوحيدة التي سيظهرها لي والدي، بالإضافة إلى عبارات اللوم التي لا مفر منها في حال إخباره".

وتابع عدنان قائلا: "فضلت أن أستدين مبلغ إصلاح السيارة من زميل لي في ذات الجامعة، وقررت بأن أخفي عن والدي ذلك العطل".

وأنهى حديثه قائلا: للمرة الأولى في حياتي أعمد على إخفاء أمر ما عن والدي، ولطالما عودنا على مصارحته بكل شيء، وأخشى أن تكبر تلك الفجوة بيننا في أمور أصعب من ذلك، والسبب هو الشروع في بناء المسكن الذي تمنيت لو لم يكن في سبيل البقاء على علاقتنا الودية مع والدي".

وعن مدى تأثير الضغوطات الاقتصادية التي يعيشها الآباء، ويلقون بإفرازاتها السلبية على الأبناء، تقول أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي: "الضغوط النفسية الناجمة عن الضغوطات الاقتصادية التي يعانيها أحد الوالدين لفترة محدودة من الزمن تؤثر تأثيرا كبيرا في نفسية الطفل الذي لا يعي مدى التغير الطارئ على حياة والديه جراء تلك الظروف".

وأضافت أن "بعض الأسر قامت بأدوار وممارسات عديدة أثناء تربيتها لأطفالها وبشكل ضمني أو بشكل واضح ملموس من خلال أفعال كالترهيب، أو بث القلق، والخوف في نفوس الأطفال جراء حدث اقتصادي، فتلك الضغوط النفسية التي تقع على الأب ويعكسها على الأسرة بكاملها سيكون لها تأثير سيئ على المدى البعيد خاصة على الصغار الذين لا يعون الظرف الطارئ الذي تمر به الأسرة وهو بناء السكن الملائم لهم".

واستهجنت العنزي عبارات اللوم التي يطارد بها الأب أبناءه، ومعاقبتهم أو صب اللعنات عليهم، أو عدم إشباع حاجاتهم العاطفية، وحذرت من الخبرات الاقتصادية المؤلمة التي قد يتعرض لها الأطفال من لدن آبائهم موضحة بأن ارتدادها سيكون عظيما على حياة الطفل المستقبلية، وقد تعوق تلك الخبرات ارتقاءهم النفسي فتؤثر على صحة الطفل النفسية في المستقبل.