عمر عبدالله المشاري

خطيب جامع بلدة الداخلة


ما أعظم إسلامنا، يدعو إلى ستر العيوب، وبذل النصيحة بالرفق وبالسر، دين كامل، يأمر بالأخلاق الفاضلة وينهى عن الأخلاق السيئة، دين كامل يحث على ستر العيوب والسماحة والعفو والإعراض عن الجاهلين، قال المنذري في الترغيب والترهيب: (الستر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته). وقال ابن حجر: (والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب عليه الإنكار وإلا رفعه للحاكم)، وقال الإمام النووي: (المراد بالستر، الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يُستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إنْ لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد) صحيح مسلم بشرح النووي.

كما جاء التحذير من أن يكشف المرء ستر الله عنه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه الشيخان. وجاء الحث على ستر عيوب الناس في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر عبد عبدا في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) رواه الشيخان. وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه) وسأل رجل الحسن فقال: (رجل علم من رجل شيئا، أيفشي عليه؟ قال: يا سبحان الله! لا) انتهى. قال بعض العلماء: (اجتهد أنْ تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب). وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير). ومما روي أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب قال: هي أكثر من أنْ تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خصلة واحدة إن استعملتها سترت العيوب كلها. قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان.

هذا هو إسلامنا يحثنا على ستر العيوب لما له من فوائد وحكم جليلة منها: أنه يطفئ نار الفساد في المجتمع، وأن من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة، وأن ستر العيوب يؤدي إلى المحبة والتعاطف بين الناس.