قاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومنذ أن كان وليا للعهد، حركة الاصلاح الاقتصادي والإداري في المملكة، ومنذ عام 2003م وكلمة الإصلاح تحتل الصدارة في البيانات والخطابات الرسمية المرتبطة بالتنمية والتطوير، وتمثل "اللازمة" الثابتة التي تعبر عن طموحاتنا وآمالنا نحو غد أجمل يليق بهذا الوطن الذي تتوافر له معظم مقومات النمو والازدهار والتطور. فالاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة، والاقتصاد القوي الذي تسنده الموارد المالية الضخمة الناتجة عن العائدات النفطية، والموارد البشرية الوطنية المؤهلة، إضافة إلى التجربة التنموية الثرية التي امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً.. كل هذه الأمور عوامل ومحفزات للانطلاق نحو مسارات تنموية تنقل المملكة إلى آفاق متقدمة من النمو والتطور. والحق أن المملكة شهدت خلال السنوات الأخيرة العديد من الخطوات والقرارات الإصلاحية الطموحة، إذ نجح الملك عبدالله في تحويل الإصلاح من رؤية حالمة إلى مشروع تنموي تجتمع عليه كافة قطاعات الدولة والمجتمع، غير أن الإصلاح بوصفه مشروعا مرحلياً له أهدافه ومتطلباته واستحقاقاته يحتاج إلى المراجعة والتأمل والتقويم، شأنه في ذلك شأن بقية المشروعات والبرامج البشرية الأخرى. والواقع أن نظرة موضوعية لمسار التنمية في المملكة توحي بأن ما حققه مشروع الإصلاح خلال السنوات الماضية ربما لا يرتقي إلى مستوى طموحات قادة البلاد، بل إنه قد يقصر حتى عن الحد الأدنى من الطموحات والتطلعات التي نقرؤها بين ثنايا خطابات وكلمات رائد مشروع الإصلاح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ومع التسليم بصعوبة تقصي كامل جوانب المشروع الإصلاحي الذي تقوده الدولة فإنه يمكن تسجيل انطباعات وتساؤلات عن المرحلة التي وصل إليها هذا المشروع الوطني من خلال النقاط التالية:

- "مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني" أحد ثمرات المشروع الإصلاحي، وقد شهد في بداياته زخما إعلاميا هائلا وأصبحت حوارات المركز ونقاشاته محل جدل في الأوساط الإعلامية الداخلية، غير أن المركز ظل متمحورا على ذاته، ولم يحاول نقل الحوار من الأروقة النخبوية إلى نطاق المجتمع ومؤسساته التربوية والتعليمية، وظلت توصياته حبيسة الأدراج والرفوف ولم تنتقل إلى واقع التطبيق.

- "هيئة السوق المالية" ولدت من رحم المشروع الإصلاحي في عام 2003هـ، وجاء إنشاؤها بهدف "تنظيم وتطوير السوق المالية، وزيادة الثقة فيه، وحماية المستثمرين والمتعاملين بالأوراق المالية"، ومع أن الهيئة نجحت في تنفيذ العديد من الإجراءات التنظيمية في سوق الأوراق المالية إلا أنها أخفقت في حماية المستثمرين الصغار من "علاوات الإصدار" غير العادلة التي تخدم الشركات الكبيرة وكبار المستثمرين، الأمر الذي دفع بمجلس الشورى إلى مطالبة الهيئة "بالنظر في إمكانية دخول مقيّمين مصرح لهم بمزاولة مهنة التقييم لتقدير مبلغ علاوة الإصدار والقيمة الفعلية المستحقة لأسهم الشركات قبل طرحها للاكتتاب العام في السوق المالية، وألا تعتمد الهيئة في هذا الخصوص على ما تقدمه الشركة من معلومات تتسم أحيانا بكثير من المبالغة".

- "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" هي الذراع التنفيذي الوقائي لمشروع الإصلاح الواسع، وقد صدر قرار مجلس الوزراء في عام 2007م بالموافقة على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد المتضمنة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد. وعلى الرغم من إنشاء العديد من الهيئات الحكومية الجديدة إلا أن هذه الهيئة لم تر النور حتى هذا اليوم.

- "مركز قياس أداء الأجهزة الحكومية" أحد الأذرع الهامة لتطوير وتحسين خدمات القطاع الحكومي غير أنه وُلد معوقا، فبينما كان من المفترض أن يكون مستقلاً ويملك صلاحيات واسعة في الرقابة والتقييم لأداء القطاعات الحكومية أُنشئ تحت مظلة معهد الإدارة العامة.

- "المجالس البلدية" شكلت بانتخاباتها تحولاً استثنائياً في المشاركة الشعبية باتخاذ القرار التنموي، وقد أضافت أجواء الانتخابات زخما حيوياً على المجتمع السعودي، غير أن أداء ودور المجالس البلدية خيب آمال المواطنين، وربما يعود ذلك في جزء منه إلى اللائحة التنظيمية لهذه المجالس وأدوارها.

- "مؤسسات المجتمع المدني" هي الضامن الرئيس للمشاركة وتدعيم الحقوق ومحاربة الفساد، ومع ذلك ما يزال هذا النوع من المؤسسات في خانة التهميش والتعويق الإداري المؤسسي، ومنذ سنوات ومجلس الشورى يراوح مكانه في دراسة الأنظمة واللوائح الخاصة بهذه المؤسسات.

- تقويم الأداء الموضوعي لأداء القطاعات الخدمية يرتبط بشكل أساسي بوجود أنظمة للمحاسبة والتحقيق والإقالة للمسؤولين التنفيذيين، والواقع يقول إن معظم البرامج والمشروعات التي تنفذها القطاعات الحكومية وتنفق عليها الملايين تقوم على الاجتهادات الفردية وبعضها ينتهي إلى مشروعات مشوهة وتمضي دون أن يتعرض القائمون عليها للمحاسبة أو الإقالة مما يعني استمرار التجريب والارتجال والمحاولة.

هل يعني هذا أن مشروع الإصلاح الواسع والشامل لم يحقق شيئا خلال السنوات الماضية ؟ الإجابة بالتأكيد بالنفي، فثمة إشراقات وإنجازات كبيرة وهامة شهدتها المملكة من نوع التوسع في افتتاح الجامعات في مناطق المملكة، وزيادة مساحة حرية الكلمة وتعددية الرأي وتعزيز حقوق الإنسان، وإحالة المتورطين في فساد "كارثة جدة " إلى القضاء، وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي وغيرها من الإنجازات التي يمكن إذا ما صادفت التقويم السليم أن تكون علامة فارقة في تاريخ المملكة ونهضتها التنموية.