تعود البيضاء إلى سكونها، تاركة شغافها لصوت الريح وكأنها تعيد ترتيل صدى أنّات المستغفرين، وزفرات التائبين، ودعوات العابرين.
لك الله يا منى.. فأي وجد يسكن عرصاتك بعد غياب أحبتك الذين أتوا من كل فج عميق، متكبدين وعثاء السفر حباً فيمن جعلك مهوى للأفئدة، ومقصدا للتائبين.. حتى نالك ما نال ربيبك ابن الملوح وهو يبكي فراق ليلاه "البين يؤلمني والشوق يجرحني.. والدار نازحة والشمل منشعب".
لا أحد في منى.. تلك التي غصت لأيام بملايين ثلاث من الملبين بألوانهم وأعراقهم ومفرداتهم وعبراتهم من كل زوايا الأرض، التقوا فيها شوقاً، وودعوها وجداً، ولسان حالهم يردد مع الشريف الرضي "فوالهفتي كم لي على الخيفِ شهقة.. تَذُوبُ عَلَيها قِطعَة مِن فُؤادِيَا".
شوارع خالية إلا من بقايا الراحلين المتطايرة على متن النسائم، وخيام خاوية إلا من الذكريات، بعد أن ضجت بأصوات المتعبين، الذين قصدوها من 184 بقعة، تلبية لدعوة أبيهم إبراهيم، عليه السلام، التي صدح بها فوق جبل أبي قبيس، منذ آلاف السنين "يا أيها الناس.. إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم به من عذاب النار، فحجوا". فلبوا النداء حاملين معهم لوم الخطايا التي أنهكتهم، ومدفوعين بأمل الغفران الذي ينتظرهم.
وفيما ينتظر بقية الحجاج ليوم؛ طوى الـ2.5 مليون الآخرون أمتعتهم أمس، مغادرين منى، بعد أن أقاموا فيها نحو 5 أيام، سجداً وقياما، ليحققوا بذلك حلم العمر بأداء الركن الخامس، الذي ضحّى جلهم بزهرة الدنيا في سبيل إتمامه؛ فمنهم من كان يجمع المال لثلاثين عاماً، ومنهم من استنفدت رحلته كل ما يملك حتى قيمة ملابسه، ومنهم من سار على قدميه عابراً الدول لآلاف الأميال.. وحين انقضى النسك، وانفض الجمع، ودعا داع الرحيل؛ غادروها مكلومين، كأنما تنتزع منهم الأرواح، باكين على الفراق، ومتسائلين هل في العمر بقية للقاء آخر، كما بكى قبلهم ابن الخيمي "ويا أمانيّ هل حقا يعود لنا.. عيش بخيف منى ولّى وما رجع".
360 يوماً، ستعيشها وحيدة "منى" بخيفها ومحصبها ومحسرها.. بجمراتها ومخيماتها.. بجسورها وقناديل شوارعها وأرصفتها.. بمستشفياتها ومبانيها وساحاتها، فيما تنتظر بعد انقضائها موعداً جديداً للقاء يعقبه فراق، ووداع لا يغني من الوجد.. لتردد مع قيسها كل مرة "وجدت الحب نيرانا تلظى، قلوب العاشقين لها وقود.. فلو كانت إذا احترقت تفانت، ولكن كلما احترقت تعود".
..و"طيبة" تتهيأ لاستقبال زوارها
المدينة المنورة: علي العمري
تستعد المدينة المنورة لاستقبال ضيوف الرحمن بدءا من اليوم، وذلك بعد أن أتموا الحج، فيما تباشر كافة الجهات المعنية ذات العلاقة بشؤون الحج تطبيق خططها التشغيلية لموسم ما بعد الحج، بمتابعة أمير منطقة المدينة المنورة رئيس لجنة الحج بالمنطقة الأمير عبدالعزيز بن ماجد.
وأوضح مدير عام فرع وزارة الحج بمنطقة المدينة المنورة محمد عبدالرحمن البيجاوي، في تصريح إلى "الوطن" أمس، أن فرع المنطقة بدأ في وضع كافة الترتيبات اللازمة لاستقبال الحجاج المتعجلين، متوقعا أن يبلغ عدد الرحلات اليومية القادمة إلى المدينة المنورة برا 12 رحلة يومية، مشيرا إلى زيادتها في الأيام المقبلة.
وأفاد أنه تم معاودة تشغيل كل من محطة استقبال الحجاج في طريق الهجرة الرابط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، الذي يعد المركز الذي يتولى استقبال الحجاج، ومن ثم توجيههم إلى مقار الفنادق المخصصة لإسكانهم، بينما يتولى مركز استقبال حجاج الجو بمطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي ذات المهمة بالنسبة للقادمين عبر مطار جدة.
وأشار إلى أنه تم تشغيل مراكز إرشاد التائهين المنتشرة حول المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، التي تأخذ على عاتقها عددا من المهام والواجبات الخدمية من أهمها: مساعدة وإرشاد الحجاج التائهين عن مقار سكنهم، وتقديم خدمات الاستعلام السياحي، وتسجيل ملاحظات وشكاوى الحجاج، والتعامل معها وفق الانظمة والإجراءات، واستلام وتسليم المفقودات التي تفقد من الحجاج.