منذ أن وجه الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام، أن يؤذن في الناس بالحج، بقوله تعالى: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى? كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، ‏حين ‏انتهى ‏من ‏بناء ‏البيت ‏العتيق، ومنى تحتفظ بلونها "الأبيض" الذي أخذته من لون إحرامات حجاجها، رغم ما تعرضت له هذه المدينة من تطورات متلاحقة على مر العصور.

فمِنى "بكسر الميم وفتح النون" هي منطقة صحراوية تقع إلى شرق مكة المكرمة بحوالي 5 كيلومترات في طريق جبل الرحمة في عرفات، وتمتد من وادي محسر شرقا إلى جمرات الشياطين غربا، وهي موضع أداء إحدى شعائر الحج، إذ يبيت فيها الحجاج، كما أنها موقع رمي الجمرات الذي يؤدى بين شروق وغروب الشمس يوم النحر، وأيام التشريق.

هذه المدينة البيضاء، هي معلم حضاري، شهد ملامح تنموية متلاحقة، فبعد أن كانت مقرا لخيام بدائية ينصبها الحجاج في جنباتها، حولتها حكومة المملكة إلى مدينة للخيام المتطورة المقاومة للحرائق، والمصنعة من أنسجة زجاجية مغطاة بمادة "التفلون" غير القابلة للاشتعال.

وتم تنفيذ مشروع خيام منى على مراحل انتهت في العام 2006، حيث بنيت الخيام على مساحة تقدر بأكثر من 200 مليون متر مربع بتكلفة بلغت نحو 206 مليارات ريال، وتستوعب نحو مليوني حاج.

وحرصت الدولة في بناء خيام منى، أن يكون ملائما للطابع الإسلامي، ومماثلا للشكل التقليدي، فاكتست هذه البقعة بالبياض، إضافة إلى المرافق والخدمات والتسهيلات، ودورات المياه في وسط كل مخيم وتجهيزات الطاقة الكهربائية، ورشاشات مياه تعمل تلقائيا مقرونة بأجهزة إنذار وطفايات حريق.

والمتابع لتطورمنى عبر السنوات، يلحظ تطورا كبيرا في مختلف المجالات، حيث شيدت بها جسور وأنفاق، وساحات وخيام مطورة، وجسرعملاق في منطقة الجمرات لتسهيل الرمي، يرتفع 5 طوابق، وترتفع معها شواخص الشياطين، بطريقة تنظيمية فريدة لدخول الحجاج وخروجهم عبر مسارب للدخول والخروج.

وشهدت التطورات أيضا، إنشاء قطار المشاعر، الذي ينقل الحجاج من وإلى منى، في غضون 7 دقائق، بعد أن كانت رحلاتهم تستمر لساعات سواء مشيا على الأقدام، أو على ظهور الإبل قديما، وحتى في حافلات النقل التي كانت تزدحم في طرقات هذه المدينة الصغيرة.

فكل التطورات المتلاحقة التي طرأت على المدينة، وصولا إلى خدمات التقنية والـwifi، والجسور والأنفاق والقطارات، إلا أن بياضها ما زال ولم يتغير، فبياض الثياب والخيام هو سيد المشهد، وبياض القلوب التي جاءت متضرعة لاجئة إلى الله تعالى هو المشهد الروحاني الذي تجرد فيه كل من هو على صعيد هذا المشعر من شتى ألوان الترف.

ففي منى، لا تقع عينك ـ وأنت تتجول بين الحجيج ـ إلا على مشهد زهد، فحاج انزوى إلى ركن مخيمه، تتجه يداه إلى السماء، وتنساب من عينيه دموع الخشوع وطلب المغفرة، ورجل أمن يقف تحت أشعة الشمس، يحرس ضيوف الرحمن، وآخر يراقب حركتهم، ويساعد مسنهم، ويفك تزاحمهم.