أكتب هذا الأسبوع من نيويورك، حيث يرى الكثيرون أن الصراع في سورية قد بدأ فصله الأخير. وببدايته، تحاول الأطراف المختلفة وضع رهاناتها للربح لدى سقوط النظام قريباً، أو على الأقل تقليل خسائرها. أما النظام نفسه فقد أطلق العنان لآلته الحربية لفرض حل عسكري، وبدأت إيران وحزب الله بتكثيف دعمهما للنظام عسكرياً بإنزال ميليشيات جديدة للقتال إلى جانبه.

فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون للوصول إلى اتفاق قبل انهيار النظام، لتفادي تقسيم سورية وتفكك مؤسسات الدولة. ومن المقرر أن يشد وزير الخارجية الجديد جون كيري رحاله إلى أوروبا والشرق الأوسط هذا الأسبوع، وأن تكون سورية على رأس الموضوعات التي يناقشها مع نظرائه. وباعتبار هذا الملف التحدي الأول له منذ توليه المنصب، فإن أداءه في معالجته سوف يحدد أداءه في معالجة الملفات الأخرى مستقبلاً.

ويشير الخبراء الأميركيون إلى اختلافات في الأسلوب، إن لم يكن الجوهر، بين كيري وسلفه هيلاري كلينتون، التي كان أولى مهامها، وربما أهم منجزاتها، إدارة علاقة أميركا بالقارة الآسيوية. أما مع كيري، فيتوقعون أن يحظى الشرق الأوسط باهتمام خاص منه، على غرار أسلافه الآخرين من وزراء الخارجية. ومنذ تولي منصبه منذ أسابيع قليلة، كانت أول اتصالات أجراها كيري بقادة المنطقة، وستأخذه أول رحلة خارجية له إلى الشرق الأوسط والخليج، مروراً بأوروبا التي سيزورها لمناقشة الشرق الأوسط. ومما يلفت النظر أن كيري قد لا يزور فلسطين أو إسرائيل هذه المرة، مشيراً إلى مركزية الملف السوري.

ويُتوقع أن يبحث كيري الأفكار الأميركية لإنهاء الأزمة عن طريق التفاوض بعد عامين من الصراع، ويتمثل الجزء الأساسي من الحل في رحيل بشار الأسد، يعقبه تشكيل حكومة وحدة وطنية مستقلة عن النظام الحالي، وبدء حوار شامل بين أطياف المجتمع السوري. وسيكون الاختبار الأول للخطة في الاجتماع المقرر بين كيري ومعاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني.

ومن المقرر كذلك أن يجتمع كيري بوزير الخارجية الروسي لافروف، فروسيا هي الداعم الرئيس للأسد عسكريا، كما توفر له الغطاء الدولي، حيث أحبطت جميع الجهود لاستصدار قرار من مجلس الأمن لحل الأزمة.

أما النظام السوري نفسه فما زال يعيش في عالم آخر يحلم فيه بأنه ما زال سيد الموقف، رافضاً الحلول الوسط. ورأيناه خلال الأسابيع الماضية يطلق عنان ما تبقى من سلاح جوه ودباباته ومدفعيته وصواريخه ضد المدنيين. ومن الواضح أنه بذلك يحاول فرض حل عسكري يقضي فيه على المقاومة.

أما "مجلس الشعب" السوري فهو مهزلة أورويلية، يُردد فيها كورس النواب بلا تردد هتافات الولاء لـ"الأخ الأكبر"، في حين يعلن وزير الإعلام من أمام المجلس نداءه إلى المعارضة للعودة إلى سورية لعقد حوار آخر مع النظام ووفق شروطه، وقدم ضماناته لهم بالسلامة. وكيف لسوري أن يثق بهذا النظام، بعد مقتل أكثر من سبعين ألف سوري، وإصابة واعتقال وتعذيب مئات الآلاف منهم، وتهجير ملايين السوريين، داخل بلادهم وفي دول الجوار؟

أما إيران وحزب الله فلهما خطط أخرى. ففي إيران أعلن حجة الإسلام مهدي تائب، رئيس إحدى الهيئات الدعائية التابعة للنظام، بأن "سورية هي المحافظة الخامسة والثلاثون، وهي محافظة استراتيجية لنا. فلو هاجمنا العدو للاستيلاء على سورية وخوزستان، فإن الأولوية هي للمحافظة على سورية". ويشرح تائب هذا المنطق بقوله "حين نحتفظ بسورية فإننا يمكن أن نستعيد خوزستان أيضاَ. أما لو فقدنا سورية، فإننا لا يمكن أن نحافظ على طهران".

ويبدو تائب متفقاً مع القول بأن الجيش السوري قد فشل في القضاء على الثورة، ويقول إن من المستحيل على هذا الجيش الانتصار في حرب المدن، ولذلك كان على إيران أن تقدم الحل، حيث نصحت الحكومة السورية بأنه "لكي تتمكن من إدارة حرب المدن يجب تكوين (بسيج)"، مشيراً إلى المليشيات التي استخدمتها إيران في حربها مع العراق ومع معارضيها داخل إيران. وأضاف تائب "إن البسيج السوري قد تم تكوينه من ستين ألف مقاتل من حزب الله، وهم من سوف يتولون الحرب في المدن بدلاً من الجيش". وربما كان يشير هنا إلى حزب الله بمفهومه الأشمل، أي إيران ولبنان وسورية نفسها.

ويبدو حزب الله اللبناني على وجه الخصوص وقد بدأ في تنفيذ الخطة الإيرانية، ودخل في معارك مع قوى الثورة السورية. وداخل لبنان، حيث يسيطر الحزب على مفاصل السلطة، دخل أنصاره في اشتباكات مع اللاجئين السوريين، وهو الآن يهدد بتشكيل مليشيات جديدة من القرى اللبنانية للزج بها في المعركة.

أما روسيا فتبدو وقد وضعت رهاناتها في كل مكان. فالإخلاء السريع وغير المنظم لرعاياها من سورية أربك النظام من جهة، ولكن تسريع تزويده بالأسلحة الثقيلة (تنفيذاً لعقود سابقة، حسب تبرير روسيا)، ساعد النظام على شن موجات البطش الأخيرة. ومن ناحية ثالثة، بدأ بعض المسؤولين الروس بالتصريح علناً عن شكوكهم في قدرة النظام على حسم النزاع، وينصحون بحل يتم التفاوض عليه.

ولهذه الأسباب، يبدو الأسبوع القادم مفصلياً للأزمة السورية، فلو فشلت المحاولات الأميركية للوصول إلى حل سلمي، فإن الخطة الإيرانية قد تحاول القضاء على الثورة عن طريق المليشيات الجديدة، مدعومة بترسانة النظام السوري. وإذا حدث ذلك، فإنه سيوحد فصائل الثورة السورية، ويفرض على أنصارها تقديم الدعم الكافي لها للدفاع عن المدنيين السوريين في مواجهة تلك المليشيات والآلة العسكرية للنظام، وفرض حل على النظام في نهاية المطاف.