إن ارتباط الثقافة بالدولة وأغلب المؤسسات المدنية هو مشروع ثقافي ومولد حقيقي لديموقراطية معرفية لا تقتصر في تأثيرها على الثقافي فقط بل على أبعاد أخرى، منها اجتماعية واقتصادية وفكرية، وهو ارتباط يقتضي إعادة النظر في مسألة الأمية الثقافية بكل أبعادها، بل إنه المشروع الأهم حتى لا يصبح الجميل والحقيقي هامشيا وتسود قوة الصوت الواحد والفكر الواحد ويحرم البلد من التنوير والحركة الثقافية الحرة المتاحة. الثقافة ينبغي أن تسهم في كسر الحواجز، وهي مسؤولة عن خلق الحراك المجتمعي وتوجيهه. ولذلك فإن تطوير السياسات الثقافية لظهور جيل جديد من المجتمع الواعي هو الرهان الأكبر والتحدي الأهم، وباعتقادي أن هذا أهم متطلبات أية حركة ثقافية أو فعالية ذات تأثير مثل "معرض الكتاب الدولي" الذي يلوح في الأفق كأهم حدث ثقافي كل عام.
على الرغم من كل التحركات الملموسة بشأن الثقافة والتي تتضمن اجتهادات كبيرة إلا أنه ما زال حتى الآن لا يتضح في الأفق مشروع ثقافي واضح المعالم باستثناء معرض سنوي يتوافد إليه المهتمون والهواة والمعارضون والمتفرجون، بمعنى أن مثل هذا الفعل الثقافي ما زال يحدث وكأنه كرنفال محدد بوقت معين من كل عام ينجز وينتهي بانتهائه المشروع الثقافي الذي ينصب خيمته لأيام معدودة ثم يرحل ملوحا للعودة في عام مقبل. السؤال الذي يظل ملحا على كل مثقف ومتابع للحراك الثقافي وللمشروع الثقافي الذي لا يجب أن يكون طارئا هو: لماذا لا تمثل معارض الكتاب جزءا من المشروع الثقافي للمجتمع لما يحققه تواجد الكتب وتوفر الاطلاع عليها وطرح الخيارات الحقيقية للكتب من تحرك جاد ووعي بأهمية المحصل الثقافي من خلال استمرارية المناشط الثقافية كل أيام السنة، خاصة ونحن نعيش الكثير من المتغيرات والتحديات التي باتت تفرض تأثيرها على مستوى الثقافة والأفكار، والرهان هنا سيكون على وجود مؤسسات ثقافية مستقلة ينبغي أن تديرها نخب مدنية مختصة تنشأ من صلب النسيج الاجتماعي لتحريك الثقافة الموجهة والتي تحتاج للتنظيم، وتحريرها من كونها مشروعا تدجينيا مؤسساتيا حتى لا نظل أسرى لعنف ثقافي وتهميش ثقافي موجه ضد الجمهور وضد ثقافة الإنسان البسيط. كما أراهن على مثقفي الظل وأولئك الذين يمتلكون الرؤية والحلم ولكنهم دوما خلف الكواليس مما سوف يحدث فارقا لو تقدموا إلى الصفوف الأولى ولواجهة الثقافة.
التعاطي مع الثقافة يجب أن ينطلق من مبدأ أن الحياة الثقافية للمجتمع هي القيمة والركيزة المعرفية الجديدة التي تراهن عليها المشروعات الثقافية في رسم سياستها وتوجيهها، وهذا ما نأمل حدوثه بعد أن تطوى خيمة المثقف الطارئة في معرض الكتاب القادم.