لم تكن جازان في يوم بلداً مغلقاً ولا منغلقاً. فما بين جازان والبحر قصة قديمة ومتجددة تحكيها سيرة ثلاثة آلاف عام سطرتها آلاف المراكب والأغاني والبشر. أول ما يلفت نظر القادم إلى جازان هو البحر، تحتضنه بشكل سيامي حتى يخال للرائي أنه لا يمكن لها أن تنفصل عن شاطئه الذي يمثل قطعة من جسدها، إلا حين يتسلل إلى النظر ذلك الوادي الذي سميت جازان باسمه، ليثير عبق التاريخ ممتزجاً برائحة الفل والكادي.

أجزم أني تعرفت إلى جازان إنسانياً قبل تعرُّفي إليها جغرافياً، فهي منطقة خصبة وثرية ثقافياً أنجبت الكثير من الأسماء اللامعة، من المثقفين والأدباء والشعراء والأكاديميين، وقد سعدت بالتعرف إلى هذه المنطقة الجميلة والمتميزة من بلادنا من خلال أهلها الذين تعرفت إليهم خلال عملي في عدة مناطق، فهم أناس يتميزون بحسن المعشر، وطيبة القلب، وكرم النفس، وسعة الأفق، وقد تعمقت هذه الصورة التي كوّنتها عبر سنوات بعد تعرفي إلى بعض مثقفيها بشكل شخصي، فهم يعكسون حقيقةً ما تتميز به جازان من جمال روحي وثراء إنساني وثقافي واجتماعي يرتكز على تاريخ عريق.

وقد شرفتُ بالتعرف إليها أكثر، حين وطأت قدماي أرضها الأسبوع الماضي خلال افتتاح الموسم الثقافي السادس ومعرض الكتاب الثالث بجامعة جازان، بعد دعوات على مدى 3 سنوات لم تسنح لي الفرصة بهذا الشرف إلا مؤخراً لأطلع على هذه الجامعة الفتية التي لم تعد ناشئة بل أصبحت من الجامعات النامية سريعاً أوصلتها إلى درجة المنافسة، حيث وفد إليها عدد من الطلاب الأجانب مبتعثين من قبل جامعاتهم للدراسة بكلية الطب بجامعة جازان، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل شمل أيضاً منافسة الجامعة من خلال طلابها وأعضاء هيئة التدريس فيها على مقـاعد متقدمة في الأنشطة الثقافية والعلمية.

إن وجود جامعة في أي مدينة يمكنها من الإسهام في تنمية المجتمع المحلي وارتقائه ثقافياً واقتصادياً وعلمياً، وهذا ما أسهمت به الجامعة للمجتمع الجازاني الذي هو في الأساس بيئة خصبة ثقافياً، ولهذا يأتي مشروع المدينة الجامعية استكمالاً لقصة جازان والبحر، كأحد المشاريع الأضخم التي تشهدها المنطقة على مساحة شاسعة تبلغ أكثر من 9 ملايين متر مربع، وبما أن البحر مكون رئيس في البيئة المحلية فقد اخترقت قناة بحرية برج المبنى الجديد لإدارة الجامعة لتشكل نصف دائرة تبدأ من البحر وتعود إليه.

ومن الواضح أن الجامعة أصبحت منبراً للصوت الشبابي، حيث بادرت الجامعة بلفتة إنسانية رائعة من خلال استحضارها "لفتاة جازان المنكوبة" رهام الحكمي وكنت أتمنى أن يتم الإعلان لأي عمل إنساني يحمل اسمها، كإنشاء رابطة للتوعية بمرض الإيدز مثلاً، أو أي عمل تطوعي يقوم به طلاب وطالبات الجامعة وقوفاً مع ابنة المنطقة التي ظلمها إهمال بشري وتقني في الوقت ذاته، مما تسبب لها بمرض مزمن، ولا يكفي جامعة جازان أن تستحضرها، بل أن تبادر بعمل ما سواء من خلال كلية الطب والعلوم التطبيقية أو غيرها، لأن الجامعة القادرة على ذلك، فمن مهمات الجامعة - بالإضافة إلى الدور الأكاديمي والبحث العلمي - مجال خدمة المجتمع، ولا سيما أن موضوع الشباب هو أحد محاور الاهتمام والتقدير بالنسبة لسمو أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، الذي أعلن في الجامعة (الشباب.. التنمية.. آفاق المستقبل) عن عدة مشاريع تنموية مهمة حالية ومستقبلية، من ضمنها تشكيل مجلس شبابي لمجتمع جازان وهو أمر في غاية الأهمية، خاصة إذا ما جاء كنواة لمؤسسات المجتمع المدني التي يتطلع المجتمع السعودي للإعلان عن نظامها في كافة المناطق مستقبلاً.

أخيراً، أستطيع القول إن الطريق إلى جازان لا بد أن يمرَّ عبر جامعتها، ولن أنسى أن أشيد بجهود الجامعة التي تستحق التقدير، والتي يتقدمها معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع وكافة العاملين بالجامعة الذين كانوا جميعاً بلا استثناء واجهة جميلة تستحق أن تمثل منطقة جازان وتعبّر عن ثرائها وتاريخها وعراقتها.