من المعروف أن من أقوى وسائل تغيير الأفكار والقناعات، استخدام أسلوب "الصدمة" التي تؤثر بشكل مباشر على مركز القرار في الدماغ، وقد تؤدي إلى ردة فعل نفسية كبيرة، تجاه فكرة ما أو أسلوب حياة. وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان لمن تجدهم انقلبوا رأسا على عقب على أفكارهم وقناعاتهم السابقة، فتحولوا إلى الجهة المضادة، دون أي تخطيط أو تأمل. ولأن هذه الصفة الإنسانية الحساسة جدا التي يمكن أن نصفها بـ(التغيير بالصدمة)، تترتب عليها نتائج مصيرية لكثير من الأشخاص بسبب ما تحدثه من اهتزاز كامل في الشخصية "المصدومة"، فقد كانت إحدى أهم الطرق التي تركز عليها بعض التيارات الفكرية أو الجهات الأمنية في مختلف دول العالم، لأن الشخص في هذه الحالة يتحول تلقائيا من التحكم بنفسه وتفكيره إلى تسليم عقله إلى الآخر، وخصوصا الملازم له في تلك الحالة. وفي وضعنا المحلي نشهد منذ سنوات تحولات مفاجئة لبعض الأشخاص من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس، وبصورة قد لا تصدق في بعض الأحيان، إذ قد تجد من كان ملازما للمسجد وقارئا للقرآن الكريم، تحول في لحظة ما، إلى ما يشبه المتمرد والرافض حتى لأبرز قيم الدين، وقد يكون السبب صدمة قوية في معلمه أو شيخه، الذي يقول ما لا يفعل، أو يفعل ما ينكر على الآخرين فعله. أما العكس وهو التحول من الانفلات الكامل من القيم الدينية والاجتماعية إلى التشدد والغلو وربما "التطرف"، فهو الأكثر شهرة بسبب نشاط بعض التيارات الفكرية في استقطاب الأتباع، من خلال استغلال موقف ما يمثل "صدمة حياة" للشخص المستهدف، وبالتالي إقناعه بأن الحل للخلاص من واقعه هو بالانضمام لـ"الجماعة" وتشرب فكرها قولا وسلوكا، وبالتدرج وتركيز الجرعات، تظهر ملامح التغير، الذي يتحول تلقائيا إلى تشدد وغلو ثم تطرف وربما إرهاب وسفك للدماء الحرام، تحت عباءة "التطهر" من الحياة السابقة. فكم من شخص صدم بوفاة عزيز أو قريب له، فدخل على خط حياته و"صدمته" بهذه الفاجعة، أصحاب الأجندات والتنظيمات الحركية، وأدخلوه في دهاليزهم، فلم يعد لأهله إلا جثة هامدة، لا يحضر مراسم عزائها أي وجه من الوجوه التي تسببت في هذا المصير.

نعم..التحول إلى الأفضل مهم بل ومطلوب لتطور فكر الإنسان، ولكن الخطورة هنا.. كيف يتم هذا التحول؟ ومتى؟ وما الأسباب؟ لأن مشكلتنا عربيا أن البنية الثقافية للأفراد وعدم تنمية مهارات التفكر والتساؤل، عززت "ثقافة القطيع"، وقد يكون هذا التحول المفاجئ من مظاهر هذه الثقافة. وبالتالي أصبح شبابنا هدفا سهلا لأي "صياد في الماء العكر".