أصبح ملاحظا وبشكل كبير عند قراءة السجالات التي تدور بين المتخاصمين السياسيين في الدول التي عاشت ما يعرف بالربيع العربي، أن هناك اتهاما متزايدا بأن جماعة تحاول "أخونة" النظام، في وقت نجد أن البعض الآخر ـ ممن يعيش بيننا ـ يردد دون تردد أكذوبة أن الإعلام يحاول "لبرلة" المجتمع، في وقت يعلم المراقب المحايد أن المجتمعات بصرف النظر عن آليات حكمها تبنى في الأساس من خلال القناعة العامة للأغلبية التي على أساسها تتكون النظم الإدارية التي تضع التشريعات والقوانين.

عندما يفوز الإخوان المسلمون في مصر بالأغلبية وبالرئاسة، فهذا ـ في ظل مجتمع ـ يعني أن الأغلبية ترى بأن قناعات هذه الجماعة تتماشى مع رغباتهم وطموحاتهم لمجتمعهم، وهو تماما الاتهام الذي كان سيطال لو كانت الأغلبية في يد اللبراليين مثلا أو السلفيين أو حتى القوميين.

يقال بأن المنتصر هو دائما من يكتب التاريخ، وأقول إن المنتصر ـ في مجتمع مازال جديدا على فكرة تقبل الاختلاف ـ هو أيضا لا بد أن يمر بمرحلة مخاض فهم حقيقة اللعبة السياسية والتعايش معها وبلورتها، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وفي المقابل، لا أعلم لماذا يرى البعض دعوات الإصلاح والتمدن والانتقال بمجتمعنا للقرن الواحد والعشرين على أنها دعوة لـ"لبرلة" المجتمع، واعتبار ذلك خروجا على الأسس التي بني عليها المجتمع، وهي نظرة ـ لا شك ـ في أنها تنبع من شعور بالضعف وقلة الحيلة، رغم ما لدى تلك الجماعة من امتداد اجتماعي. لا أنكر أن كل واحد منا ـ بصرف النظر عن ميوله ـ وأفكاره السياسية يعد نفسه منجذبا لها ومنتميا لروح ما يدعون إليه.

الشعور بأن المؤامرات تحاك ضد أي جماعة هو الأسلوب الدفاعي الذي تنتهجه أميركا كدولة ومنتجها المسخ إسرائيل، فتلك وسيلتهم لأن يكونوا دائما على أتم الاستعداد لمواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد بقاءهم، إلا أن الأسلوب المشابه المطبق في عالمنا العربي بشكل واضح، يفتقر لأساس رئيس هو أن تكون المواجهة بالمنطق والحجة وليس بالخطاب والتأجيج وبكاء التماسيح، فبين اتهامات "الأخونة واللبرلة" والحقيقة يكمن الفرق بين من يعمل من أجل تغيير الواقع وبين من يتكلم ويلطم فاضحا في ذلك عجزه عن إثبات رأيه وإقناع الناس به.