يؤسفني، وأنا العاشق المحب لمصر، أن تتحول مصر إلى مسرحية هزلية يسهر عليها هذا العالم مساء كل جمعة. وكل الكذبة الكبرى أن (الإنتلجنسيا) المصرية، ومع العوام، سقطت في الحفرة حينما تعتقد أن ما حصل بمصر كان ثورة حسب أركان المصطلح وشروطه ولوازمه.

الثورة (خراج) نهائي لا يستحق هذا التوصيف إلا بعد عقود من الزمن حين تكتشف الشعوب الثائرة أنها غيرت (أديمها) الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. أما إسقاط الرئيس (الفرد) فهو إزاحة أو انقلاب أو حتى تغيير لا يستحق الكذبة الكبرى في وصفه بالثورة. وفي التاريخ، فإن إسقاط الزعيم الفرد قد يأتي برصاصة طائشة أو حتى (ذبابة) تنقل الفيروس لجسد الزعيم أو زيارة خاطفة لملك الموت أو حتى صورة شاردة لأشعة تبرهن قرب نهاية الزعيم الفرد بمرض قاتل.

أما الإجابة على السؤال: كيف اجتمع ثمانون مليونا لتصديق الكذبة الكبرى على أن ما حدث كان (ثورة) مكتملة الأركان والشروط، فذاك لأن الفقر والجهل والأمية هي الدافع والمقياس في هذا الجزء الكئيب المتخلف من الخريطة الأممية. احتاجت فرنسا إلى مئة عام لتكتشف أن ما قامت به كان ثورة وانتظرت (أميركا) نصف قرن من لحظة الاستقلال لتعلن ولادة هذا المصطلح.

إعلان (الثورة) في العزيزة مصر سيكون مقبولا عندما تكتشف فداحة الأخطاء بحق شعب. عندما تكتشف أن ثمانين مليونا يسكنون على (شارع عام واحد) حين تحول هذا (النيل) إلى كابوس بدلا من أن يكون هبة. إعلان الثورة حين تكتشف مصر أن السكنى على شارع مائي واحد كان سبب الكوارث، وحين تكتشف أنه السبب في ثلث الشعب المصاب بفيروس الكبد الوبائي وأن ثلثه الآخر يعيش ويموت دون أن (يفك الحرف) في أمية قاتلة. إعلان الثورة حين تكتشف مصر أنها البلد الوحيد على وجه الأرض الذي يعيش شعبه على 6% من المساحة الكاملة للدولة، وإعلان الثورة لن يكون إلا حين تكتشف مصر أن 95% من أساتذة جامعاتها من خريجي (الماء الآسن) لذات الجامعات المصرية، التي تحشد في القاعة الدراسية الواحدة ألف طالب حتى في أدق العلوم الطبية والهندسية، إعلان الثورة لا يكون إلا حين تكتشف مصر أن توزيع (اللحمة والخبز) على الفقراء كما يفعل (الإخوان) ليس إلا رشوة لا تستحق أن يطلق عليها مصطلح الثورة.