انعقد في بداية فبراير الحالي بروما المؤتمر الوزاري الثالث الخاص بإصلاح مجلس الأمن، وهو المؤتمر الذي قدمت فيه المملكة خارطة طريق من ست نقاط لإصلاح مجلس الأمن، وتمثل هذه النقاط في حال الإجماع عليها خطوطا استرشادية عامة للمفاوضات الجارية حول إصلاح المجلس.

هذه المفاوضات التي تدور منذ ما يقرب من 20 عاما دون نتائج حقيقية، تحولت لمجرد مفاوضات من أجل المفاوضات. وخلال تلك الفترة تصدرت عدة دول وتجمعات دولية النقاشات المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن ولم تكن المملكة من ضمنها، لذلك تكشف هذه المبادرة الآن رغبة السعودية في أن ترفع من مستوى تفاعلها مع النقاشات والمفاوضات الدائرة حول إصلاح مجلس الأمن، وهو أمر جيد يعكس التزام سياسة المملكة الخارجية نحو أن تظل لاعبا فاعلا ومهما على الصعيد العالمي. لكن أي دور للمملكة فيما يخص مسألة إصلاح مجلس الأمن سيظل مرهونا بنقطتين رئيسيتين: أولا: رؤيتها لسبل دفع المفاوضات، وثانيا: موقف المملكة بخصوص النقاط الخلافية والتوجهات المطروحة لإصلاح المجلس. خارطة الطريق التي طرحتها المملكة تمثل الحد الأدنى من القواعد التي يجب على الدول الإجماع عليها كأساس للمفاوضات الجارية بشأن إصلاح مجلس الأمن، ولعل أبرز النقاط التي طرحتها هي النقطة الثالثة التي تشير إلى أن عملية إصلاح المجلس يجب أن تأخذ في الحسبان التداخل بين المسائل الخمس المتعلقة بالمجلس: حق النقض (الفيتو)، والتمثيل الجغرافي، وحجم التوسع في عضوية المجلس، وأساليب العمل (working methods)، والعلاقة بين المجلس والجمعية العامة.

هذه النقطة تمس عصبا حقيقيا للخلاف حول إصلاح المجلس، خاصة أن كل النقاشات والمفاوضات التي جرت إلى الآن والتي انتهت بما يعرف بورقة المراجعة الثالثة (Revision 3) لا تزال تمثل للدول مجرد ورقة مرجعية وليست أساسا للمفاوضات فيما بينهم، فهذه الورقة الطويلة تضم جميع مواقف الدول ومقترحاتها حيال إصلاح المجلس انطلاقا من المسائل الخمس الواردة أعلاه، وبالتالي هي ورقة وإن كانت شاملة تضم جميع الاختلافات المتعلقة بهذه المسائل فإنها لا تساهم في حقيقة الأمر بالدفع بأي تقدم نحو إصلاح المجلس ما لم تتم المبادرة بتحويلها لورقة تفاوضية يتم على أساسها تحقيق بعض التقدم.

وهذا ما حاول الدفع به مندوب أفغانستان الدائم بالأمم المتحدة ظاهر طنين من خلال توصياته في رسالته بتاريخ 25/7/2012 لممثلي الدول الأعضاء، وذلك بصفته رئيس الهيئة الفرعية المنبثقة من الجمعية العامة والتي تدور في إطارها المفاوضات الحكومية (Intergovernmental Negotiations) حول إصلاح مجلس الأمن، حيث أشار إلى أن الخطوة العملية اليوم تتمثل في وضع ورقة عمل (working document) يتم التفاوض على أساسها ومن ثم الدعوة لاجتماع على مستوى عال (high-level meeting) وذلك لدفع عملية إصلاح مجلس الأمن بشكل جاد. وللأسف لم تلق مبادرته تجاوبا كافيا من الدول مما قاد لاستمرار العمل بورقة المراجعة الثالثة التي هي في حقيقة الأمر ليست سوى اختزال لكل مواقف الدول وما طرح من أفكار مختلفة ومتعددة حول إصلاح المجلس، وليست ورقة عمل حقيقية يمكن التفاوض على بنودها أو تحقيق تقدم من خلالها، ومنذ ذلك الوقت لم يتم عقد اجتماعات المفاوضات الحكومية المعنية بإصلاح المجلس وصولا إلى بداية فبراير هذا العام حيث عقد اجتماع روما المشار إليه أعلاه (الذي يتم خارج نطاق المفاوضات الحكومية) وكذلك اجتماع آخر مزمع عقده في البرازيل في مارس المقبل (وهو يتم أيضا خارج نطاق المفاوضات الحكومية).

رغم غزارة هذه الاجتماعات وما يطرح فيها إلا أن التقدم المحرز ضعيف، ومن المتوقع ألا يحقق اجتماع البرازيل أيضا أي تقدم حقيقي سوى تقريب بعض وجهات النظر. عملية إصلاح مجلس الأمن التي نسير فيها اليوم بدأت خطواتها الفعلية عام 1992 بإنشاء "فريق العمل مفتوح العضوية" (Open-Ended Working Group) لمناقشة مسألة التمثيل وزيادة العضوية في مجلس الأمن، واستمرت النقاشات إلى 2008 حيث صدر قرار الجمعية العامة الشهير رقم 557/62 الذي نقل النقاش من جلسات فريق عمل إلى المفاوضات الحكومية تحت مظلة جلسات غير رسمية للجمعية العامة. ولكن المشكلة هي أن النقاش ظل يدور في إطار مفتوح مما جعله يتوسع ويتشعب دون أن يحقق انتقالا من خطوة لأخرى. هنا تبرز أهمية التوصيات التي طرحها مندوب أفغانستان (بصفته يترأس جلسات المفاوضات الحكومية) والتي هدف من خلالها إلى تغيير الإطار (framework) الحاكم لهذه المفاوضات، وكذلك أهمية خارطة الطريق التي طرحتها المملكة في اجتماع روما كونها تهدف لجعل النقاش يتناول مسألة الإصلاح برمته وبعناصره المتداخلة بدلا من النقاشات الجزئية حول كل مسألة من المسائل الخمس المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن.

يذكر أن عملية إصلاح مجلس الأمن (بغض النظر عن الاتفاق الذي يتم التوصل إليه) تتم قانونيا من خلال تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وذلك طبقا للمادة 108 من الميثاق، والتي تتيح لأغلبية الثلثين في الجمعية العامة تعديل الميثاق (على أن يكون فيهم الدول الخمس دائمة العضوية)، وبالتالي تعديل صيغة مجلس الأمن. ولذلك أصرت كثير من الدول في 2008 خلال عملية الانتقال من فريق العمل إلى المفاوضات الحكومية أن تكون هذه المفاوضات تحت مظلة جلسات غير رسمية للجمعية العامة بحيث لا تتاح عملية التصويت وبالتالي تفرض إصلاحات معينة تحظى بأغلبية الثلثين وليس الإجماع. إلى هنا يصبح خلاصة ما تم التوصل له منذ 1992 عندما بدأت الخطوات الفعلية لإصلاح الأمم المتحدة هو "ورقة المراجعة الثالثة" التي تحوي كل مقترحات إصلاح المجلس الموضوعة على طاولة النقاش وكذلك مواقف الدول، من غير أن تتحول هذه لورقة عمل يمكن التفاوض حقيقة عليها ومن غير أن يتطور إطار النقاش لجلسات يمكن للتصويت أن يحسم فيها بعض الخلاف.

المملكة من طرفها وعلى امتداد تلك الفترة فضلت مبدأ "الحياد الإيجابي" في هذه القضية، فلم تنضم لأي من تجمعات الدول (blocs) التي تشكلت بحسب المواقف وكذلك لم تحاول أن تتقدم بجهود في المفاوضات ضمن أي إطار رسمي، واليوم مع خارطة الطريق التي طرحتها في اجتماع روما تبدأ المملكة في التحول نحو اتخاذ موقف أكثر فاعلية بخصوص إصلاح مجلس الأمن. لكن أي دور للمملكة في هذا الخصوص منوط برؤيتها نحو سبل دفع المفاوضات للتقدم، وهنا تبرز أهمية النظر في مسألة دعم توصيات مندوب أفغانستان بشأن تحويل ورقة المراجعة الثالثة لورقة عمل، وربما أيضا النظر في مسألة تأييد نقل جلسات المفاوضات للصفة الرسمية تحت الجمعية العامة وذلك لاستخدام مبدأ التصويت كمبدأ محفز لإحراز تقدم في النقاش والمفاوضات. وقد يكون تزامن دخول المملكة لمجلس الأمن في 2014 للمرة الأولى في تاريخها فرصة جيدة لأن يبرز دور جديد للمملكة في دفع المفاوضات المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن.