ابتدع العالم بأكمله يوما للحب، وخصه بيوم 14/ فبراير من كل عام، وهو عيد يوم وفاة القديس "فالنتاين". حيلة ابتدعها العالم لإحياء الحب والتواصل والحميمية في قلوب الناس؛ لأن العالم وأفراده المتناثرين في ربوع الدنيا، يحتاجون إلى لفتة نظر من بعضهم البعض. ولعل هذا العيد والترويج له في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، جاء بعد أن تسارع إيقاع العالم، وتباعدت أطرافه وكثرت همومه، وأيضا جاء للحفاظ على نفوس هؤلاء من تسرب الإحساس بالوحدة أو الغربة. وإذا ما اعتبرنا أنفسنا جزءا من هذا العالم؛ لأننا استُدرجنا إلى بوتقته الحلزونية الجاذبة، فدخلنا الدائرة ودونما أي استئذان، ونحن سعداء ولسنا تعساء بهذا التداخل العالمي لنكون جزءا منه، ولكن لندخل ومعنا أحمالنا، نحملها على أكتافنا وعلى رؤوسنا بما يشكل تيجانا مرصعة على رؤوسنا من كل المفاهيم والأعراف والعقائد والموروثات، نحملها للعالم بما فيها من زخم وتنوع وقيم، ودرة تاجها يوم الجمعة، بما فيه وما له إزاء يوم كيوم الحب العالمي، والذي حملوه لنا ولم نُظهر أمامه يوم الجمعة كي يتجلى هذا اليوم بما له من بهاء وخصائص تبهر العالم أمام يوم الحب المزعوم، لإيقاظ شعلة الحب بين البشرية الفطرية فينا.

سأروي لكم طرفة تروى حينما يضج المجلس بالجالسين وهم في حاجة لنزهة نفسية إن جاز التعبير، ولكنها بخصوص هذا الصدد:

تباهى أحد الكتابيين على أحد المسلمين بكثرة الأعياد، وقال له: لدينا نحن الكتابيين أعياد كثيرة تفوق أعيادكم بكثير، فليس لديكم سوى عيد الفطر وعيد الأضحى. فضحك المسلم وقال له سأدخل معك في سباق، بحيث إنك تعد الأعياد التي تقيمونها وأعد لك الأعياد التي نقيمها، ونرى في نهاية المطاف من ترجح كفته، وكل عيد أذكره تضاف لي عشر نقاط وفي الوقت نفسه تذكر أنت العيد الواحد بعشر نقاط، حينها نحصي النقاط ونرى من يفوز، شريطة أن يذكر كل منا جميع الأعياد على مدار العام. وافق الكتابي بكل سرور؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الأعياد الكتابية كثيرة وبدأ السباق. قال الكتابي: لدينا عيد 1/ يوليو/ عيد الميلاد المجيد، و19/ يناير/ عيد الغطاس، و29/ يناير/ عيد نياحة مريم العذراء، و 25/ فبراير/ بدء صوم نينوى/ و28/أبريل/ عيد أحد السعف أو الشعانين، و2/مايو/ عيد الجمعة العظيمة (جمعة صلب المسيح بواسطة الرومان واليهود)، والأحد 5/مايو/ عيد القيامة، وعيد رأس السنة نهاية العام.

انتهى الكتابي من عد كل الأعياد طيلة العام، ثم سأله الطرف الآخر هل انتهيت؟ فأجابه: نعم. وبدأ المسلم يعد الأعياد - والتي اعتقد الآخر أنها عيدان فقط - قال: لدينا عيد الفطر فأضاف عشر نقاط، ثم قال عيد الأضحى، فأضاف عشر نقاط، قال له الآخر: انتظر ألك عيد آخر غيرهما؟ استسمحه سعة الصدر وقال انتظر لأكمل، وبدأ يعد أيام الأسبوع (سبت، أحد،.. إلى يوم الجمعة) وعند يوم الجمعة يقول عيد، أضيفت له عشر نقاط. وهكذا استرسل في عد أيام الأسبوع، وعند كل يوم جمعة يقول عيد فتضاف له عشر نقاط، وبدأ الرجل وكأنه آلة لا تتوقف عن العدد، وعشرات النقاط تنهال عليه كالمطر، فصاح الكتابي وقال: هذا يوم عادي وليس بعيد، فأجابه المسلم: إنه شعيرة في الأرض وعيد في السماء.

فأيقن الكتابي أنه أمام طوفان من الأعياد التي تفوق بكثير أعياد أي من سكان الأرض.

إن المسألة لا تكمن في الندية والتفاخر والتكاثر وما إلى ذلك، إذ لا بد أن نتيقن أن الإنسانية هي التي تحكم عباد الله على أرضه كما علّمنا ديننا الحنيف، فالإنسانية هي من أكبر القيم الإسلامية بشكل عام وبشكل خاص. وإنما القضية الهامة هنا تكمن في سؤال محير: لماذا نفرط في الاحتفال بأعيادنا التي شرعها الله، والتي من خصائصها إسباغ المحبة والتراحم والتسامح والمودة، ونبذ الفرقة والحقد والحسد. فيوم الجمعة عيد في السماء وشعيرة في الأرض يجب أن نحتفل بها جميعا لتأخذ ما تأخذه هذه الأعياد المخترعة. الـ(فلنتاين) ربما اخترعه من اخترعه لأنه لا يوجد لديه عيد كل أسبوع اسمه الجمعة. فها هو ديننا يأمرنا بالاستحمام ثم لبس الملبس الجديد أو النظيف الطاهر ثم التعطر والتطيب ثم الصلاة بشكل جماعي (الجماعة) ثم التصافح والتسامح مع من كان بينه وبين الآخر ضغينة، والتواصل مع الأهل والأقرباء. وكلها مظاهر قد يؤديها البعض في شكل شعيرة اعتاد عليها وفرضت عليه ولكنه تناسى أنه يوم عيد للمسلمين.

إننا نرى العالم يموج بإعلامه الغربي منه والعربي باحتفالات عيد الحب بما أسموه (فلنتاين داي) في ذات الوقت الذي فيه عيد لدينا كل أسبوع لا يعلم عنه أحد من باقي سكان الأرض، وإذا ما عدنا إلى التعرف على هذا اليوم الذي يقوم فيه بعض الشباب المسلم العرب وغير العرب بتبادل الهدايا والورود، وتلتهب فيه واجهات المحلات باللون الأحمر، ويتبادل الرسائل الهاتفية بالتهاني دون علم، نجد أنه "سمي بهذا الاسم نسبة إلى القديس فالنتاين لدى الرومان، والذي كان يوم 15/فبراير/ يوم احتفال تُقدَّم فيه القرابين للآلهة (ريكس)، التي كانوا يعتقدون حينها أنها تحمي مواشيهم من الوحوش. وفي القرن الثالث الميلادي قام الإمبراطور "كلاديس أو Gladius" الثاني بتحريم الزواج على جنوده كي لا ينشغلوا عن مهامهم القتالية، إلا أن فالنتاين كان يقوم بإبرام عقود الزواج سرا. إلا أن الإمبراطور كشف سره فحكم عليه بالإعدام، وكان ذلك في يوم 14/فبراير/عام 270م.

ومنذ ذلك الحين اتخذ هذا اليوم عيدا، تخليدا لذكرى هذا الرجل الذي أُعدم بأمر الحب. هذا يوم الحب العالمي وهذا هو تاريخه، في حين أن لدينا يوم الجمعة عيد المسلمين كافة، عيد التسامح والود والحب والوفاء والتخلص من الضغائن والأحقاد، فلماذا لا يحتفل به العالم كما يحتفل بيوم الحب المزعوم طالما أننا ارتضينا أن نكون جزءا منه؟. أكيد أن الخطأ من عندنا نحن لكي تبرق درة التاج.