أتذكر، منذ خمسة أعوام، وبعد ظهور "الفيديو كليب"، سألتني صحيفة الأنباء الكويتيه عن الفيديو في حينها، قلت لهم: إن "الفيديو كليب" سحابة صيف، إلا أن استمراره منذ ظهوره حتى الآن أصبح يشكل أهمية لدى الفنان الذي لا يملك مقومات الفنان الحقيقي، والذي لا يملك المقومات الصوتية التي تؤهله لأن يكون فنانا حقيقيا يرتقي إلى المستوى الذي يتطلع إليه متذوق الفن الأصيل.
الفيديو ليس حديثاً كما يعتقد البعض، وإنما هو موجود منذ الخمسينيات، عند ظهور السينما المصرية ولكن شتان بين ما يقدم في تلك الفترة وما يقدم الآن. وما يحزنني الآن أننا أصبحنا نسمع بين أوساط الشباب: "هل شفت الأغنية؟"، وهذا ـ بحد ذاته ـ دلالة واضحة على أن الأغنية انتقلت من مرحلة السمع إلى مرحلة النظر، لما فيها من مغريات حسية، وفي رأيي أن الأغنية أصبحت تُسجل من أجل الصورة، وبدلاً من أن تكون فكرة لحنية، صارت فكرة إغرائية.
لست ضد "الفيديو كيلب"، ولكن ضد ما يبرز في الفيديو كليب. وفي الأغاني التي لا تملك الكلمة ذات الصورة المعبرة واللحن الذي يجسد الأغنية بأبعادها الفكرية، فإن المنتج يبحث عن الصورة التي تجذب الشباب وتحقق المردود المالي.
رحم الله الزمن الجميل، حيث كان الملحن يعكف على النص الشعري أحياناً ستة أشهر، وأحياناً سنة حتى يظهر اللحن بشكل يطرب المتلقي. نحتاج أن ننظف آذاننا مما نسمعه من أغان هابطة. لن نلوم الفنان حينما قال يوماً: سوف أصور أغانيّ بأسلوب آخر، وفعلاً صور أغانيه القديمة والحديثة بأسلوب مسرحي يتواكب مع روح العصر، وابتعد عن الإسفاف الذي نشاهده الآن، بل العكس كسب كل (السميعة) الذين يهوون الطرب الجميل.
كنت مترددا كثيراً في الخوض في هذا الموضوع، ولكن حين تشاهد هذا "الغث" الذي أصابنا بالغثيان، ندرك أنه "زاد عن حده"، وتعدى ذلك حين صارت بعض الأغاني تصور في "الكبريهات".