يشتكي الكثير من الآباء والأمهات من تمسك أبنائهم المراهقين بآرائهم الشخصية، حتى إن هذا الأمر أصبح سلوكا يوميا يعانون منه فيما قد يسهم بعدم التعامل مع هذا السلوك بحذر وذكاء مما يولد شخصيات سلبية في المستقبل أو شخصيات يصبح العناد جزءا من طباعها.
يقول الاستشاري النفسي الدكتور وليد الزهراني إن العناد والاختلاف والمناقشة مع الأبوين هي أول ما يبدأ بها المراهق خلال تجريب أدواته وقناعاته الفكرية والعقلية التي بدأ يشعر بحاجته إلى توظيفها مع أبويه قبل الانتقال بها إلى المجتمع الكبير؛ لأن الأبوين أقرب الناس إليه وهما اللذان يمثلان المجتمع وقيمه ومثله، ولذلك كان من الطبيعي أن يتوجه إلى انتقادهما، وقد يشتد الاختلاف ويكثر في الحالة التي لا يزال يعامل فيها المراهق معاملة الطفل، فهو يسعى إلى قطع الصلة بتلك المرحلة التي كان فيها خاضعا يتقبل كل شيء دون مناقشة، وقد يتصارع مع الكبار الذين لا يعترفون بشخصيته واستقلالها.
وأضاف الدكتور الزهراني "بالنسبة إلى عناد المراهقات قد تكون لها أسباب عديدة وكثيرة أيضا، وقد لا تظهر هذه الحالة مباشرة في وقت المراهقة وإنما قد تكون الحالة هي موجودة قبل فترة المراهقة بمعنى أنه منذ أن كانت هذه الفتاة صغيرة كان عندها أسلوب العناد، ويمر بمرحلتين الأولى تبدأ من سن الثانية والثالثة وهو لا يقول نعم، دائما يحاول أن يظهر شخصيته أو يثبت وجوده أمام ما تصدر من الأوامر من الأم والأب، مثلا نجده يقول لا، وهو يفرح أحيانا بقول كلمة لا، مجرد أنه يعارض النعم التي اعتاد عليها وتجد أنه في هذه الكلمة يشعر بنوع من الإثارة والعنفوان والتحدي، هنا قد تكون هذه حالة طبيعية في هذه المرحلة، لكن إذا استمر دائما في العناد وخاصة إذا ظهرت مع حالة العناد حالات أخرى مثلا السلوك العدواني أو التوتر والغضب وتعكر المزاج فوقتها تتحول هذه الحالة من ظاهرة طبيعية إلى سلبية ومرضية تحتاج للعلاج، والمرحلة الأولى من الممكن أن يتداركها الأهل إذا ما كانت الحالة مرضية، أما المرحلة الثانية فهي تظهر في فترة المراهقة، وبالنسبة للعناد في هذه الفترة قد يظهر بشكل واضح من قبل المراهقين أنفسهم وكما ذكرنا فالأسباب كثيرة، وأحيانا نمط الشخصية نفسها إما تكون هي ذات سلوكيات عدوانية أو شخصية انفعالية حدية هستيرية أو أحيانا شخصية مدللة بحيث لا تجد سوى العناد في سبيل أن تحصل على مطالبها دائما وأبدا.
ويلفت إلى أن الظروف الموجودة في البيت مثل التوترات أو المشاكل الموجودة داخل الأسرة تؤدي إلى شعور الفتاة المراهقة بالإهمال، أو على العكس، فإن التربية المتزمتة قد تعكر البيت وتحوله إلى ثكنة عسكرية، فتجد الفتاة المراهقة أنها كانت قبل فترة قليلة تمتلك من الحرية ومن الإرادة ما تتمتع به في فترة الطفولة، لكن في فترة المراهقة تجد نفسها أمام سيل من الضغوطات والمتابعات والمراقبات وبالتالي تنفجر أحيانا وربما دائما بشكل يدفعها إلى رفض ما يقدم إليها من أوامر.
ويقول الزهراني: أحيانا هذه الضغوطات تحول الفتاة وتدفعها إلى العزلة والانزواء والسلبية، وهنا يتصور الأهل أنه كلما يفرضون ضغوطات على البنت يكون أفضل، في حين أن هذه الضغوطات تؤدي إلى أن تصبح هذه الفتاة فيما بعد متمردة، وأحيانا التمرد والعناد ليس فقط على الأسرة وإنما يتطور الحال إلى عناد ضد المجتمع وضد المدرسة، وهنا تتحول الحالة إلى حالة جدا صعبة وخطيرة أيضا.
وعن السبيل الصحيح للتعامل مع عناد المراهقة ذكر الدكتور الزهراني أن من البديهي أن يترك هذا العناد أثرا سيئا جدا، إذ تبقى هي دائما في أسلوب متمرد ومعاند لما يريده الأهل خاصة الوالدين، فأولا يؤدي إلى زيادة التوتر داخل البيت وغياب الأجواء الآمنة ويؤدي إلى أن تصبح الفتاة في حالة تعب نفسي ليس لها فقط وإنما حتى بالنسبة إلى إخوتها الموجودين في البيت أو بالنسبة للعائلة ككل، وأحيانا هذا العناد بالنسبة إلى الفتاة يؤدي إلى أن تميل للعدائية أكثر مما هي شخصية سوية إذا استمر الحال بهذه الصورة، وربما يؤدي إلى حصول خلافات بين الزوجين وخلافات بين الإخوة أو الأخوات فيما بينهم.
ويشير إلى أنه ربما يؤدي كذلك إلى حصول موجات انفعالية حادة قد تؤثر على الصحة العقلية بالنسبة للفتاة نفسها وربما للأم أيضا، حين ترى ابنتها دائما لا تستمع إلى كلماتها وإلى نصائحها وتصبح عاجزة عن إيجاد الحل السليم أو إيجاد حالة من التوازن وقد تتعرض صحة الأم أيضا للخطر، أو يتدخل الأب فيوجه موجات غضب للبنت فيضربها مثلا أو يحبسها، مثل بعض الآباء الذين يلجؤون إلى نمط العقوبات متصورين أنه من خلال هذه الحالة يتخلصون من عناد البنات، لكن هذا يؤدي إلى العكس في كثير من الأحيان، حيث تصبح شخصية الفتاة فيما بعد معادية للمجتمع ورافضة لكل القيم، وحتى الفتيات المنحرفات بدأن حياتهن بشكل عناد مع الأهل على الأوامر أو الخروج من البيت، لأن الأهل لا يملكون آليات المواجهة مع الموقف بشكل سليم فيتوتر الحال، وتتحول المراهقة إلى فتاة منحرفة، وهذا خطر يهدد الفتاة، ويهدد أيضا الأسرة ويهدد المجتمع.