ليس من قبيل المبالغة أن تصف صحيفة "الوطن" قرار معالي "وزير الثقافة والإعلام" الفسح غير المشروط لإنجازات الرمز الضخم/ "غازي القصيبي" بـ: "شجاعة خوجة"، في عددها الصادر يوم الأحد غرة "شعبان النصارى"/ "أغسطس 2010"! فمن يقرأ الساحة الاجتماعية الثقافية السعودية، منذ اقتحمها "بلدوزر" الحداثة والتنوير، شعراً، ونثراً، وإدارةً، متزامناً مع بلدوزرات الحداثة العمرانية، في الطفرة الأولى، يدرك أنه قرار شجاع حقاً، لايفوقه أهميةً إلا القرارات "الفيصلية"، كتعليم المرأة، وإنشاء التلفزيون، والقرارات "العبدلية"، كإنشاء "مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني"، وحوار الأديان والحضارات!
أما الجيل الحالي ـ نسبة إلى "الحالة وأمها"، وليس إلى "الحلا كله" ـ فيحق له أن يسأل ويتساءل وينسئل: ما مكمن الشجاعة في هذا القرار "الخوجي"؟ خاصة أننا لم نلمس للمنع أثراً يذكر.. إذ ظللنا نحصل على كتب "القصيبي" فور صدورها بطريقة: أين أذنك ياجحا؟ قال: في "البحرين"، و"القاهرة"، و"لندن"!
لقد قرر معاليه ـ وهو المثقف الحقيقي قبل أن يكون مسؤولاً ـ أن يضرب ما أسميناها "مراراتٍ"، و"مرارير"، و"أمراراً" كثيرة بـ"ثقافة القدقدة"، نسبةً إلى حرف التشكيك والاحتمال "قد": (قد) يثير هذا الأمر غضب أحدٍ ما! (قد) تفهمه خطأً جهةٌ ما! (قد) أفقد منصبي أو وظيفتي ثمناً لردة فعلٍ غير محسوبة! وهو السؤال الأكثر طنيناً ورنيناً و"زنيناً" في عقل "الرقيب"، وبناءً عليه يتخذ أسهل الحلول، وأسلمها بالنسبة له وهو: "المنع" القاطع، غير عابئٍ بمصلحة المجتمع، أو ثقافة الأجيال القادمة: "ألف لحية ولا لحيتي"!
هذه الثقافة ـ التي يمكن أن تنسبها أيضاً إلى "قدقدة الرأس"/ الطريقة الشعبية في شي رؤوس ذبائح "الشعبنة" الحجازية ـ كرست فينا ازدواجية لا تألونا خبالاً، تبيح لنا أن نمارس كل "الممنوعات"، ولكن خارج المملكة! وأن نجلب الكتب الممنوعة كما نجلب المخدرات! ولافرق بينهما في ذهن "الرقيب" فكلاهما يلحس المخ! بل لقد بلغنا في كثيرٍ من ازدواجياتنا "شر البلية"؛ كما في تلك النادرة، التي يتناقلها "البدو" عن "لعوبٍ": خلع عشيقها ماتحت الثوب، فلم تعترض، وخلع الثوب ولم تعترض، وما إن همَّ بلمس "البرقع" حتى ثارت تلعنه وتهرب صائحة: "يافضحي فضحاااه"!! وهو ماحدث في تحويل رواية القصيبي: "أبوشلاَّخ البرمائي"، إلى مسلسلة رمضانية من إنتاج التلفزيون السعودي! فصدِّق أو لاتصدق: أن الرقابة التي منعت الرواية المكتوبة، هي نفسها التي سمحت بها تلفزيونياً!
وقد "قدقدت" هذه الازدواجية العجيبة رأساً "خوَّافاً"، يؤثر السلامة بالبقاء "على طمام المرحوم"؛ مهما امتلك من صلاحيات وحصانة! وهو ماجعلنا البلد الوحيد في العالم الذي ليس لديه مسرح، ولا سينما! فهل يليق بنا ذلك يا "وزير الشجاعة والإقدام"؟!