عاد الطفل لتوه إلى معرة النعمان، التي يسيطر عليها الثوار، لأن والديه اعتقدا أن الخطر تجاوزها. كان يلهو على دراجته الهوائية حين طمرته تحت الركام قذيفة ألقتها طائرة حربية. ما زال الجزء الأعلى من جسده تحت الركام، ولا ترى منه سوى رجلين صغيرتين مشوهتين في شكل رهيب وتغطيهما الحجارة، وقدمين مكتنزتين ما زالتا على دواستي دراجة هوائية للأطفال. سحبت من تحت الانقاض جثة بلا رأس لهذا الطفل، وحملها بأطراف أيديهم أقارب كواهم الحزن. في مواجهة رهبة ما رأوا، كانوا يتضرعون إلى الله. أدى القصف أيضا إلى تمزيق جسد طفل آخر كان يلهو في الحي نفسه. على بعد أمتار من مكان سقوط القذيفة، تخرج امرأة متألمة من نافذة منزلها الواقع في الطبقة الأرضية. هي مصابة بدوار وما زالت في ملابس النوم، لكن نجاتها من الغارة أعجوبة في ذاتها. هوى المبنى كقصر من أوراق اللعب، لكن صالون منزلها صمد.
أخذت هذه الغارة المفاجئة على حين غرة، عددا قليلا من السكان الذين ما زالوا في معرة النعمان التي هجرها غالبية قاطنيها ال125 ألفا بسبب الغارات المتكررة التي تتعرض لها المدينة وأطرافها. ووقعت المجزرة أول من أمس في جنوب غرب المدينة الذي بقي نسبيا في منأى عن القصف. وقد دفع هذا الاعتقاد الخاطئ أهل الطفل الذين لجأوا إلى بلدة كفرنبل القريبة منذ عشرة أيام، للعودة إلى معرة النعمان الأربعاء.
دمرت القذائف في شكل كامل مبنى من أربع طبقات، في حين تسببت بدمار جزئي في مبنى مجاور ومسجد لجأ إليه نساء وأطفال، معتقدين انهم سيتمتعون بالأمان في دار العبادة هذه. وفي أروقة مستشفى ميداني أقيم في إحدى مدارس المدينة، رأى إعلاميون 32 جثة بينهما ستة أطفال وضعت داخل أكفان بيضاء، إضافة إلى أكياس من البلاستيك كتب عليها "أشلاء". صرخ الناس متوجهين إلى الصحفيين "انظروا ماذا يفعل هؤلاء الكلاب بنا!، و"اذهب إلى الجحيم يا بشار لانك تقتل الأطفال!"، وناجوا ربهم "أن يمنحنا القوة لنتغلب على هؤلاء الحثالة!". كما أسند السكان عددا من الجرحى المضرجة وجوهم بالدماء من أكتفاهم، ونقلوهم إلى مستشفى مجاور أقيم في الطبقة السفلية لأحد المباني الرسمية في الحي.