الرياض عروس المدائن ومدينة المدن.. كانت قبل عقود خمسة قروية صغيرة ترتدي "الخلق" من الملابس وتسكن الطين، لكنها مع ذلك نظيفة مستبشرة حتى إذا أفاء الله عليها من فضله قامت من فورها وغمست شعرها في الزيت وضفرت جدائلها، وغيرت أرديتها وتعطرت ودانت لمعشوقيها الأميرين سلمان بن عبدالعزيز ونائبه سطام بن عبدالعزيز، يرحمه الله، اللذين أحالاها من مدينة هامشية وضامرة إلى مدينة عامرة مكتنزة بالعمران وتحظى بالأهمية التي اكتسبتها من قيمة هذا الوطن.
كانت الرياض مدينة تقبع في الظل حتى صارت مدينة يسطع من جبينها وهج القرار وحكمته.. والرياض هي البيت الصغير الذي كان يقطنه عدد محدود فصارت قصراً للضيافة لكل من يأوي إليها ويرتحل، وموئلاً لكل الناس من كل الأطياف ومن جميع الأصقاع. كما كانت الرياض مدينة محدودة الموارد والموجودات فصار رزقها يأتيها من كل مكان ولله الحمد.
هكذا هي الرياض المدينة العاشقة المعشوقة، فهي محبة ومخلصة لحكامها.. يحبها أهلها ويهيمون في عشقها حتى رغم تجهمها أحياناً، وحتى مع بردها القارس وصيفها اللاهب إلا أن هاجريها لا يلبثون إلا حيناً يسيراً ثم يمضهم الحنين إليها والانجذاب إلى صباها متى هاج من نجد فقد زادهم مسراها وجداً على وجد.
ها هي الرياض مجدداً وقد دانت لعاشقين جديدين هما أميرها خالد بن بندر بن عبدالعزيز ونائبه تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز. ولعل من حسن الطالع أن هذين العاشقين قدما من خلفية عسكرية، أي بكل ما تعنيه القوات البرية من مهارة تقتضي إدارة الحشود وقيادة المجاميع وضبطها، وبكل ما يمثله الطيار من استشراف للبعيد والتمكن من الاستقراء والنظرة الاستراتيجية. ولأن مدينة الرياض خلال الأعوام الطويلة الماضية، وفي غمرة تمدنها وتمددها وتزينها وتزيدها قد أصابها قدر غير يسير من الترهل، زيادة في الوزن وتضخم في الأطراف فإننا نتطلع ـ نحن عشاق هذه المدينة ـ من أميرها الجديد النابه خالد بن بندر بن عبدالعزيز، والحال مع نائبه المثقف تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز للاستمرار في تدليل هذه المعشوقة، وتذليل كل ما يعترض بقاءها عاصمة المدائن العربية، والسعي ما أمكن لضبط بعض زوائدها، وإدخالها ـ إن أمكن ـ في مهمة ليست يسيرة لكنها ليست عسيرة.. وأعني إدخالها في برنامج "للريجيم" بما يقتضيه من تخفيف لأحمالها والازدحام الذي يخنق أوردتها، والحرص قدر الإمكان على توزيع الخدمات في أطراف وضواحي المدينة بما يخفف من غلواء التدافع إلى وسطها.
الرياض وأهلها منتشون بالقرارات الملكية الأخيرة، وهم لا يمكن لهم أن ينسوا الأدوار والمهام العظيمة التي تولاها من قبل أمير الرياض سلمان بن عبد العزيز وأخوه وعضده الأمير سطام بن عبد العزيز، رحمه الله، حتى أينعت هذه المدينة وزهت بنفسها أمام كل المدن الحديثة، ويؤملون ـ وهم على حق ـ أن يمضي قطار التنمية في هذه المدينة جنباً إلى جنب مع قطار الإصلاح والترميم لكل ما قد يكون قد لحق بهذه المعشوقة بعد هذا العمر المديد في حقول التطور والتنمية.. دعوات من القلب لأمير الرياض وعاشقها الجديد خالد بن بندر بن عبد العزيز، وعاشقها الآخر نائبه تركي بن عبد الله بن عبد العزيز بتمام التوفيق والنجاح في مسيرة الخير والبناء.