رفض الفنان التشكيلي السعودي أحمد ماطر تصوير السعوديين بأنهم "نتاج لثقافة نفطية"، عبر لوحة "مراحل تطور الإنسان التي أظهرت حياة ملؤها الأفكار الثقافية والمجتمعية والتاريخية يعيشها السعوديون، وأكد على أن الفن والدين لا ينفصلان على الرغم من أن الفن لايزال مظلوما من البعض.
وبعد معرضه الـ52 على مستوى العالم، كشف ماطر أن أكثر معارضه تأثيرا في الفنانين الشباب كان معرضا في "مواقف سيارات"، أرسل لهم عبره رسالة مفادها أن "الفن من أجل الناس جميعا، وليس حكرا على الأغنياء والأرستقراطيين".
وخلال حوار لـ "الوطن" مع الفنان أحمد ماطر، كشف أن لوحتي "المغناطيسية" و "مراحل تطور الإنسان" كانتا من أهم الأعمال التي ميزته عن منافسيه من الفنانين الغرب، حيث أثارت الأولى جدلا واسع الطيف في الغرب عن تناسق الحجاج أثناء أداء فريضة الحج، أما اللوحة الثانية فغيرت المفهوم السائد لدى الغرب بأن السعوديين نتاج لثقافة نفطية، حيث أوضح من خلال لوحته عمق الفكر لدى السعوديين، فحياتهم مليئة بالأفكار الثقافية والمجتمعية والتاريخية والثقافية، وهي متراكمة من جيل إلى جيل في أذهانهم. ولفت ماطر إلى أنه يستاء من تصوير المجتمع كمجتمع نفطي. وأكد أن تمثيله لبيئة جديدة وجريئة في الوقت نفسه أكسب أعماله طيفا واسعا من المحبين والمتابعين.
وحول علاقة الفن والدين، ذكر ماطر أن الفن والدين يخدمان بعضهما بعضا، ولكن الفن مظلوم كثيرا، ولهذا يتمنى ماطر أن يتنبه أولئك لأهمية الفن في خدمة الدين، موضحا أن الفن يحظى بأهمية كبيرة في حياة كثير من الناس. وأكد أن كثيرا من أعماله الفنية ساهمت في نشر أفكار دينية مهمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت لوحة "المغناطيسية" رسالة إنسانية رائعة للغرب عن مفهوم الحج، لافتا إلى أن العمل الفني الهادف يغني عن كتاب، والصورة تغني عن ألف كلمة.
وأكد أن "لوحة المغناطيس وبرادة الحديد المحيطة به"، مثلت تجمع الناس من جميع أنحاء العالم حول الكعبة بقوة جذب روحانية وإنسانية، مشيرا إلى أن فكرة أداء فريضة الحج موجودة في اللوحة، والمساواة بين الحجاج حاضرة، واللوحة تمثل المفهوم بأبسط الطرق حتى ومن دون حاجة لشرحها بأي كلمة، ولفت ماطر إلى أن الناس تفاعلوا مع اللوحة بشكل لافت، لدرجة أن الصحف تناولت مكة كمكان سيغير وجه العالم في وقت قريب جدا، ووصفوها بأنها مركز الجذب الرئيس الذي سيتجه إليه كل الناس في وقت قريب.
وتحدث ماطر بشغف عن معرض خاص أقامه في لندن، ترك بصمة كبيرة في قلوب الفنانين الشباب، عندما عرض لوحاته الثمينة في أحد "مواقف السيارات"، ليقدم من خلال معرضه هذا رسالة إنسانية واضحة تقول إن "الفن من أجل الناس جميعا، قبل أن يكون حكرا على الأغنياء والأرستقراطيين". وأظهر ماطر خلال معرضه هذا رغبة داخلية بالظهور بفكرة فنية جديدة، فكانت فكرة ذكية ومستحبة من قبل جميع المهتمين بالفن، وخاصة جيل الشباب، ولقي المعرض إقبالا كبيرا من فئات المجتمع المختلفة. وقدم المعرض لمحة إنسانية وفنية جديدة، تؤكد على أن الفنان لا يقيد حدود فنه بفخامة المكان، بل بالاقتراب من جميع الناس، حيث إن الفن خلق من أجل الناس جميعا، قبل أن يكون مختصا بطبقات معينة.
وفيما يختص بالمعارض التي يشارك بها الآن، أوضح ماطر أنه يشارك الآن في معرضه الـ52 الذي يحمل اسم "نلتقي معا"، والمقام حاليا في لندن ويمتد من السابع ولغاية الثامن والعشرين من شهر أكتوبر الحالي. وذكر ماطر أن اسم المعرض الذي عنون بالانجليزية بـ "come together#" يهدف لخلق تواصل مع الشباب الذين اعتادوا استخدام مصطلح "#" عبر تغريداتهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفت إلى أن المعرض مقام في شرق لندن حيث يتجمع القسم الأكبر من الجالية المسلمة العربية هناك، وهذا من شأنه أن يشكل تواصلا مع المثقفين والسينمائيين الذين يعيشون هناك. وذكر أن المعرض يشهد إقبالا مميزا خلال أيامه الأولى، حيث تنوع الحضور بين المثقفين البريطانيين والسعوديين.
وحول أبرز مشاركاته الفنية، كشف ماطر أن مشاركته في متحف اللوفر كانت قوية ومهمة جدا، إضافة لمشاركته في معرضي قطر ولوس أنجلوس، لافتا إلى أنه عرض مؤخرا لوحات حاكت جيل ما بعد الثورة في تونس.
وعن أهمية أعماله في حمل قضية العرب للغرب، أوضح ماطر أن الفنان يحمل قضايا الناس عبر أعماله المعروضة، وهي جزء مهم جدا من رسالة الفن المعاصر. فهو يمثل طبيعته وبيئته عندما يكون صادقا في نقل الأحداث، مبينا أن هويته الفنية تكمن في إمعانه في المحلية وصولا إلى العالمية. وأكد أن الفن يسجل التاريخ عبر لوحات معبرة.
وبالنسبة لتمثيله لبلده في الخارج، ذكر ماطر أن الفنان كلما أخلص في فنه وأعماله، ساهم في رفع راية بلده عاليا في الخارج، مؤكدا أنه يجب على الفنان أن يمثل بلده عبر جودة أعماله قولا وفعلا، كما أن عليه ألا ينتظر من وطنه أن يقدم له، بل أن يقدم هو له.
وعن مساعدة الشباب السعوديين الراغبين في دخول مضمار الفن التشكيلي، كشف ماطر أن التواصل المجتمعي أفضل الطرق لدعم الشباب الموهوبين، عبر وضع ساعات مخصصة لعمل حوارات مفتوحة مع الشباب، إضافة للقاءات المفتوحة عبر السكايب، كما أنه يفكر وزملاؤه بتأسيس مدرسة فنية تقدم الدعم للناشئة من الفنانين وترعاهم. ووجه نصيحة للشباب بضرورة الإقبال على القراءة الفنية المعمقة، وتوظيف ثقافة الوعي والتواصل في خدمة أعماله، فالفن عمل تواصلي مجتمعي لا يستهدف اللوحة، بل ما هو مخفي وراءها.
ولم يخف ماطر تأثر لوحاته بمهنته كطبيب، فأوضح أن الطب مهنة إنسانية واجتماعية وأخلاقية قبل أن يكون مهنة كسب، مضيفا أن الطب أثر كثيرا في أعماله، لافتا إلى أن الفن يعتمد في كثير من تفاصيله على علوم الحياة الأخرى، فالفن والعلم لا ينفصلان، بل يتواصلان لخدمة فكرة اللوحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان علم التشريح وعلم النفس حاضرين في لوحاته.
وفيما يتعلق بغيابه عن المعارض الفنية في المملكة في الآونة الأخيرة، كشف ماطر عن قصور في إقامة مثل هذه المعارض يتحمل مسؤوليته كل من المنظمين والفنانين على حد سواء، لافتا إلى أن مستوى الفن التشكيلي في المملكة يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والوقت.
وأرجع ماطر فضل دخوله هذا المضمار، لرغبته الجامحة وشغفه بالفن التشكيلي أولا، وللفنان التشكيلي حسن عسيري ثانيا، فهو أول من اقترح عليه تجربة موهبته في أول معرض شارك به، مؤكدا أنه مارس الفن التشكيلي من أجل المتعة والشغف والحب، ولم يفكر يوما أنه سيصبح فنانا مشهورا. واختتم بأن مشروع "التصوير الفوتوجرافي" وكتاب "الفن المعماري" في مكة ستكون أهم الأعمال التي ستظهر للعيان خلال الشهور المقبلة.