المرأة تُعد جميلة عند قبائل التبت كلما كانت طويلة الرقبة، ما أدى ببعضهم لوضع حلقات معدنية في أعناق الصغيرات لشدها منذ ولادتهن لتطول، وببعض المناطق الأفريقية يعتبرون الشقوق التي يقومون بها في وجوه النساء من علامات الجمال، وفي موريتانيا المرأة السمينة هي الأجمل لهذا بعضهم يسمنون الصغيرات. وبعيدا عن التعميم، ففي حين يشترط الرجل الخليجي الجمال في بياض اللون ونعومة الشعر ورشاقة الجسد فيمن سيتزوجها، فالرجل الغربي يتجاوز الخارج إلى الإحساس بالجماليات داخل المرأة التي سيتزوجها، فتجده كرجل أبيض يتزوج من امرأة سمراء اللون أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو غير جميلة الملامح وفق تقييمنا الشكلي المعتاد.
هكذا، تختلف معايير المرأة الجميلة من مجتمع لآخر وفق تطور تجربته الإنسانية والمعرفية، وليس هذا سوى أمثلة للتقريب، فما أعنيه هو الجمال بمختلف أشكاله في المرأة والرجل ومناحي الحياة، خاصة في صناعة الفنون بأطيافها والآداب التي لها تأثيرها في بناء الذائقة المجتمعية، فإن ترى نحتا لمجموعة تماثيل لنساء على بوابة متحف أو تمثال شخصية ما في ميدان يُعد "جميلا" وفق قيمهم الاجتماعية، فيما بعض منّا يجده عكس ذلك لأنه يُؤمن بمبدأ تحريم نحت الأرواح، فالمبادئ والقيم والتقاليد الاجتماعية بدورها لها تأثيرها في تحديد معايير الجمال وتذوقه وصناعته من عدمه، بل في مدى تطوير الذائقة الجمالية أو تخلفها، وكما أشرت أن الوعي الجمالي على علاقة وطيدة بمستوى تطور المجتمع المعرفي وطريقة تفكيره وإعلامه أيضا، وكلما تطور معرفيا تطورت تجربته الجمالية وقدرته على الإحساس الجمالي، وكلما تخلف معرفيا تخلفت.
والثقافة الاستهلاكية التي نعيشها واعتمادها على القيمة المادية أكثر من القيمة المعنوية هي من العوامل السلبية التي أدت إلى هبوط ذائقة الجمال المجتمعية وضعف القدرة على الإحساس به، ومع الأسف فإن الإعلام العربي أساس مؤثر في هذا التلوث، فهو استهلاكي ترفيهي ليس من أهدافه رفع وعي وإحساس المتلقي الجمالي الإنساني سمعيا وبصريا وحتى إنسانيا، بل سحب أكبر قدر من نقوده، فنجده يُصدر لنا نجوما إعلاميين وفنيين من صناعة عمليات وغرف التجميل، يستعرض أشكالهم دون الاهتمام بما هو جوهري يمس الكفاءة والمهارة، بل كلما كان هذا النجم فجا فارغا بات تصديره أكثر لكونه سيجلب نسبة مشاهدة أكبر لتسويق إعلاناته، هذا بدوره نحا بالذائقة الجمالية إلى الضعف، ومع الأسف لجوء كثيرين رجالا ونساء إلى غرف عمليات التجميل اليوم يؤكد كيف بات الجمال شكليا أكثر من كونه جوهريا، خاصة أنه بات القبول الوظيفي يعتمد هذا الشكل دون اهتمام بكفاءتك ومهارتك! ما يؤكد مدى تدهور الإحساس بالظواهر الجمالية الإنسانية في حياتنا، ومن يتبعون هذا النهج في تذوق الجمال يتناسون مقولة شهيرة لأرسطو أذكرهم بها: "الذكاء يحول القبح جمالا في حين لا يستطيع الجمال إصلاح الجهل"!