حياة كل منا ليست إلا صوراً متتالية حدثت وتحدث لنا عبر سنوات عمرنا، نظل نركض إليها بكل طريقة حاملين قلوبنا، وأحلامنا، وشتات أيامنا المبهجة والحزينة فمرحلة نحمل قلوبنا ووعينا وكليتنا ونركض وراء الأيام نلاحقها لنستقر في أجملها ومرحلة تركض الأيام منا، وتنفلت من "روزنامتنا" يوماً بعد الآخر؛ نبكي يوماً سقط، ونحمل يوما بقي لنمضي به وكأنما نمضي به للأبد. وما ندري أنعدّ الأيام أو الأيام تعدّنا؟ وهنا حرية الاختيار تعني أنه لديك الخيار للعيش بوعي أو العيش من غير وعي، أن تختار أن تمضي بحب أو تمضي على هيئة محارب.
تُخطف منا الحياة وكلما ضاع الشخص في الزمن أكثر واستمر بالركض وراء الوقت والأحداث زاد شعوره بالثقل والانزعاج الداخلي أكثر. القرار قرارك في مصارعة الأمواج أو الإبحار بسكينة. لا يمكنك أن تبحر في سكينة في مكان تعلو فيه الأمواج، ولا مصارعة الأمواج في مكان هادئ وبهذا تكون الصورة واضحة.
في فيلم "الخاطف" وهو أحد الأفلام القصيرة على اليوتيوب والحائز على جائزة الأفلام القصيرة يقوم المصور بمساعدة لأشخاص يرغبون في التقاط صورة لهم وما أن تبدأ لحظة التصوير حتى يهرب بالكاميرا ويظل الآخر الذي استأمنه على التقاط صورة له يركض وراءه وهو يستمر في تصوير الشخص وهو يركض ويركض محاولا استعادة "الكاميرا" وبهذا يكون التقط صورا حقيقية للإنسان وهو يركض لاهثا خلف حياته وصورة حياته، يركض بكل ما أوتي من قوة دون تفكير، ودون توقف كل هدفه أن يمسك بحياته المتمثلة في صوره التي قد يكون أحدهم يخطفها كل يوم ليهرب بها، أوقد يكون القدر المجهول يخطفها منه دون رحمة. الأزمة ليست في الركض خلف حياتنا وأيامنا، بل في الأفكار التي تحتلنا.
في نهاية الفيلم المعبر تصل رسالة مهمة وعظيمة وهي أن الإنسان لو توقف للحظة ليرى صورته وهو يلهث مسرعا، وغاضبا، وغير واع خلف حياته لتوقف كثيرا ليتأمل الطريق وليتأمل الكثير من التفاصيل التي تحدث له على هامش حياته أو حتى في قلب حياته ذاته.
ينهي فيلم "الخاطف" فكرته بعرض صور الأشخاص الذين كانوا يركضون خلفه في معرض يرتاده الجمهور ليتعرفوا على رسالته التي أراد من خلالها أن يقول: توقف عن الركض وراء أيامك وأشيائك ورغباتك ودعها تنساب كيفما أراد القدر.
جلب الوعي لهذه المسألة هو الحل. كن واعياً بفكرة التوقف وتأمل ما أنت عليه. من أين؟ وإلى أين؟ إلى أين أركض بحياتي كل يوم؟ وإلى أين أرغب الذهاب بها؟ هنا يكون تحدي الخروج على المألوف والسماح للتغيير بالتجلي في حياتنا.