عندما شاهدت صور عضوي هيئة كبار العلماء في المملكة، الشيخين عبدالله المنيع وعبدالله المطلق تتصدر الصفحات الأولى في الصحف المحلية خلال الأسبوع المنصرم، وهما في زيارة لمواقع أثرية هامة على المستوى العالمي، هي آثار "العلا"، وأشهرها "مدائن صالح"؛ حمدت الله أنني كنت ضمن الكثيرين الذين كتبوا سابقا عن أهمية الاقتداء بالتوجيه الرباني الكريم الذي يدعو البشر إلى السير في الأرض وأخذ العظة والعبرة من مصير الأمم السابقة التي عصت الله، وذلك من خلال زيارة الآثار والاهتمام بها، حيث دعوتُ الهيئة العامة للسياحة والآثار في أكثر من مقال ـ كان آخرها في (27/10/ 2012) ـ إلى التركيز على البعد الديني الهام والواضح جدا في الكثير من آيات الكتاب الحكيم، عند تعريف عامة الناس بآثار المملكة، وفي حملات الترويج السياحي لزيارتها.. وهذا ما حدث فعلا في تلك الزيارة التي قام بها عالمان جليلان لهما ثقل كبير في مجال الدعوة والإفتاء، ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي.
في اعتقادي أن الاحتفاء الإعلامي والشعبي الذي حظيت به الزيارة وما صاحبها من تصريحات للشيخين المطلق والمنيع حول التأصيل الشرعي لزيارة الآثار، أمر بالغ الأهمية، لأنه وضح الكثير من اللبس الذي كان دائرا حول مشروعية زيارة الآثار بقصد العظة والعبرة من مصير أمم سادت ثم بادت، بعد أن كانت تملك مقومات القوة والإبداع والتمكين في الأرض. وأنا على ثقة أن فئات كبيرة جدا من الشعب السعودي المتدين بطبعه، ستعيد النظر في مسألة الاهتمام بالبعد الثقافي للآثار ووضعها ضمن أجندة زيارتها لأي منطقة في المملكة، خصوصا أن المملكة تتميز بتنوع نادر وثراء كبير في الآثار، بسبب تعاقب حضارات مختلفة على معظم أجزاء وطننا المترامي الأطراف. فالحقيقة التي يعيها الجميع، أننا لو حشدنا مئات المتحدثين من المختصين في الآثار والجوانب السياحية، ولو أقمنا عشرات المؤتمرات في كل قرية في المملكة، فإن ذلك لن يأتي بنتيجة كبيرة، مثل ما يأتي به فتوى أو رأي شرعي صريح، خصوصا إذا أتى من عالم دين مشهور.
إذن لنقل بصراحة إن كل ما يريده الناس يا هيئة السياحة والآثار هو سعي جاد لتحرير بعض المفاهيم الخاطئة التي ترسخت في الأذهان حول مفهوم الآثار وزيارتها، وعدم الاتكاء كثيرا على نظريات الترويج السياحي الغربية أو الشرقية، دون التركيز على الثقافة الاجتماعية السائدة، التي غالبا ما تبنى القرارات الشخصية فيها على آراء أخذت طابع "القدسية"، وهي في حقيقتها قابلة للتأويل والتفسير العلمي والشرعي المختلف.