من المنطقي أنه بعد النجاح الواضح للموسم السياحي في معظم مناطق الاصطياف في المملكة (عسير ـ الباحة ـ الطائف) ، أن تبدأ الجهات المعنية في كل منطقة من هذه المناطق ـ أو غيرها ـ النظر في خططها التنفيذية للموسم السياحي الآخر وهو الموسم الشتوي الذي تحتضنه السواحل البحرية بشكل خاص. وبالطبع فإن هذه الخطط لن ينجحها مهرجان ترفيهي هنا أو هناك فقط، ففي المحصلة أن البرد سيجبر أهل السروات على البحث عن مكان دافئ، كما أجبر الحر الشديد أهل المناطق المنخفضة والسواحل على مغادرتها هذه الأيام إلى المناطق الباردة. فقبل أن تكون هناك مهرجانات سياحية فإن رحلتي الشتاء والصيف بين التهائم والسروات موجودة منذ الأزل.

ونحن نسمع ونقرأ في كل شتاء عن الشكوى الدائمة من ضعف البنى التحتية على سواحل البحر وعدم وجود سكن كاف فيها، مما جعل الخيام العشوائية مصدر رزق شتوي كبير، وحتى هي لا يمكنك الحصول عليها في أوقات الإجازات الرسمية؟.

وما كادت الأمور تبدأ في التحسن خلال السنوات الأخيرة حتى اقتربت من العودة إلى المربع الأول بفضل التفسيرات العجيبة لبعض أمانات المناطق وفي مقدمتها أمانة منطقة عسير، للقرار السامي الخاص بالإيقاف المؤقت لاستخراج حجج الملكية للأراضي التي تقع خارج النطاق العمراني، حتى يعاد النظر في تنظيم جديد يضمن عدم تكرار "كارثة جدة" وما كشفته من "بلاوي" وفساد في طريقة التملك.

ولأننا في زمن قلت فيه الحكمة في ظل انشغال الناس عن علم الكلام والمنطق إلى علم "فن التحويش والتكويش" على كل شيء، يمكن أن نحدث الحكمة العربية الشهيرة "وما آفة الأخبار إلا رواتها"، إلى "وما آفة القرارات إلا مطبقوها ومفسروها". فالتفسير العشوائي لمفهوم "النطاق العمراني" تسبب في شل حركة التنمية التي بدأت تشهدها المناطق الساحلية وأجزاء كبيرة من تهامة بشكل عام. خصوصا بعد أن طبق الأمر السامي على أماكن لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال خارج النطاق العمراني، لأن أهلها يعيشون فيها يزرعونها ويرعون أغنامهم فيها منذ عشرات وربما لأكثر من مئة سنة، فلننظر إلى حال أجزاء واسعة من رجال ألمع ومحايل عسير ومراكز مثل (الدرب ـ الحريضة ـ القحمة) على سبيل المثال، بعد أن أصبحت بين يوم وليلة "خارج النطاق العمراني". فمن يستثمر فيها الآن، وهو لا يستطيع تملك أرض؟.

وإذا افترضنا أنه اشترى أرضا، بأوراق مبايعة فقط من صاحبها الحالي ـ الذي لا يملك صكا ولاحجة عليها ـ فهل ستصل له الخدمات من كهرباء وماء وهاتف؟.

ومن يضمن ألا تشمله رحمة "إزالة التعديات والعشوائيات" فيزال كل مشروعه الاستثماري الصغير في لمحة بصر.

حقيقة أن الأمر يدعو للحيرة فكيف نروج للسياحة الشتوية والزائر لا يستطيع الحصول حتى على خيمة تقيه البرد الذي هرب منه؟.

أيها المسؤولون: الناس ينادونكم نريد سكنا، ثم قد نفكر فيما بعد في حضور مهرجان ترفيهي.