مشوار من سني العمر انقضى تعباً لمطاردة حلم الوصول إلى الأراضي المقدسة، هي رحلة الروح، وهنا آخر محطاتها.. صالة الحجاج بمطار الملك عبد العزيز الدولي، بكاء وتقبيل للأرض وسعادة غامرة لا تخفيها وجوه حتى أكثر الناس وقاراً في تلك المحطة، لحظات الوصول الأولى تبدو هي الأكثر إشباعاً لرغبات الحالمين في تحقق حلمهم الذي طال انتظاره.
عجوز في خريف العمر وقد جاوزت الثمانين، لا تقوى على الحركة فيما يبدو، ولكن هرمونات السعادة تحرك كل أطرافها بعد أن رأت حلمها يصل إلى محطته الأخيرة، انتفضت تسابق الشباب وتنهي أوراقها وتنقل معها المتاع الذي تمكنت من حمله.. قبل وصولها إلى هنا كانت هذه العجوز تعمل في الزراعة طوال سني عمرها وتجمع ما تيسر لها من المال وتدخره من أجل دفع تكاليف هذه الرحلة الروحية التي تأمل أن تختم بها حياتها.
في تلك المحطة التي تعمل على مدار 24 ساعة تختلف بين اللحظة والأخرى الوجوه وتتناثر المواقف بحثاً عمن يرصدها، محطة تستقبل في أيام معدودة أكثر عدد من الطائرات والمسافرين مما تستقبله مطارات عالمية في عدة أشهر، وتستقبل هذه الصالات وموظفوها الذين يعمل بعضهم استثنائيا في هذه الفترة في الصالة كل لغات وثقافات العالم، مما يجعل التعامل معهم صعباً ومرهقاً في ظل التشديد على الموظفين بضرورة تسهيل أمور الحجاج وتلبية كل طلباتهم مهما كلف الأمر.. إمكانات كبيرة توفرت لهؤلاء الحجاج، في كل زاوية في تلك المحطة.
في الناحية الأخرى، يحاول الحجاج أن يسابقوا الوقت من أجل الوصول إلى المشاعر المقدسة تسبقهم مشاعر اللهفة وتدفعهم لحظات الترقب، كبار في السن وأطفال وشباب وشابات ونساء، بعضهم لم يجد للتعليم سبيلا وبعضهم يحمل درجات علمية عالية، كلهم تساووا في تلك اللحظات وتلك الصالة التي اعتبروها صالة الوصول لتحقق الأحلام.
ورغم الصعوبة التي يعانيها موظفو المطار في إيصال التعليمات إلى الحجاج وكبار السن منهم بشكل خاص إلا أن العشوائية التي يتخوف البعض من انتشارها اختفت بشكل كبير هذا العام في ظل حرص كثير من الدول على إعطاء حجاجها تعليمات الوصول والتنقل خلال رحلة الحج.