بالعلم وحده تنهض الحضارات وترسم مسيرة الأمم، وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – على التنمية المستدامة أطلق مبادرته التاريخية في العصر الحديث باستحداث برنامج الابتعاث الخارجي بمراحله وخططه التي تعد أهم مشاريع التنمية في وطننا.

"الابتعاث".. قصة نجاح برنامجٍ معرفيّ فكريّ ألقى بظلاله نحو قارات العالم ودولها المتقدمة تزاوجاً ليحقق حلم شبابنا وطموح قيادتنا ومستقبل وطننا، مر البرنامج بعدة مراحل قامت فيه وزارة التعليم العالي وملحقياتها الثقافيّة بتقويم التجربة علمياً والاستفادة من التغذية الراجعة في تحسين وتطوير البرنامج كمّاً وكيفاً، حتى نضج في كل اتجاهاته مروراً بعمليات تقييم وتطوير، وأتى أكله بدءاً من اختيار التخصصات وتحديثها لرفع جودة البرنامج وتناسقاً مع سوق العمل مروراً بترشيح الطلاب في بيئات متساوية الفرص وقبولهم بمعايير خاصة حتى تنظيم عدة ملتقيات متعددة في مختلف المناطق تصب في تهيئة المبتعثين نفسياً وقانونياً وأكاديمياًّ ترافقه في وصوله دولة الابتعاث فتتلقفه الملحقيات الثقافية وتشرف عليه حتى يعود إلى وطنه ومستقبله.. استمرت قناعة الوزارة بنجاح البرنامج وتحقيق أهدافه ليزف وزير التعليم العالي ومهندس الابتعاث البُشرى لأبناء الوطن وبناته بأمر خادم الحرمين الشريفين بإطلاق المرحلة الثالثة حتى عام 2020 لتحقيق طموحات وتطلعات مستقبل وطن.

ولا أدري كل ما أتت نشوة البهجة والفخر بمخرجات الابتعاث ومنجزات مبتعثينا يتسلل "البعض" لجزئيات يعزف عليها ويضعها وتراً سادساً بين أقواس سوداء وخطوط حمراء تستفز المستقبل بوصاية دون دليل أو تمحيص.. لكنها سنة البشريّة الجاعلة في كل أمة أو مشروع أو تغيير مقاومين ينبرون بكل الأساليب والأدوات لمناهضته والوقوف أمامه، وتلك كانت بدايات "الابتعاث" وحربه الضروس عندما بدأ، فبدأت معه موجة مناهضة متفاوتة الزمن والتصوير والعداء باللجوء أحياناً إلى المبالغة والتهويل لتحريف الحقائق وتزييفها وتفسيرها دون دلائل أو دراسات دامغة، واستمر ذلك بتصويره في عدة مناورات بأنه من أفتك الأسلحة لزلزلة الإسلام من القلوب ومحاولة اقتلاع جذوره من نفوس المبتعثين، وتارة في الانهيار الخلقي وتأكيد السيادة للغرب وتحقيق أغراض أعداء الأمة، ثم تبعتها (أُخر) بنشر صور سيئة هنا وهناك بإسقاطات وإيحاءات مبالغة دون تبين، مع ترويج قصص مختلقة وإشاعات أخرى مجتزأة لتكون كل الآفات للتشنيع بالمبتعثين ثم اتسعت دائرة العداء أكثر حتى جُعل الابتعاث برمته لا خير فيه.

العداء الأعمى يختلق لنفسه ألف عذر وعذر ليقنع نفسه بأنه فعل الصواب، والنظرة السوداء تظلم الحياة وتشل وتربك من يعيشها، وهذا يجعلنا نتوجه بحيرتنا.. لماذا لا يكون مناهضو الابتعاث منصفين عادلين في آرائهم ومنهجهم وبموضوعية دون سكب الكأس الممتلئ؟

أين هم من الأمس القريب عندما حول مبتعثونا مسارح ومواقع إلى جوامع كبيرة تخدم المُصلين من الجاليات المسلمة، يقيمون فيها الدروس الدعوية لحديثي الإسلام، يمارسون أنشطتهم الاجتماعية بتوزيع التبرعات والصدقات على المحتاجين من المسلمين؟ أين هم من مئات الأخبار المشرفة لإنجازات المبتعثين وتفوقهم وبراءات اختراعاتهم المسجلة وتنافسهم على المراكز الأولى في التفوق الأكاديمي والبحثي والاجتماعي التي سطروها في سماء دول الابتعاث ونقشوها في وطنهم؟ لماذا لم نرصد لهم حالةً واحدة عبر "منابرهم" يشيدوا فيها بإنصافٍ ونزاهة بتلك الإنجازات أو حتى إشارة بشعور الفخر بهذا الشباب الملتزم بدينه ووطنيته والمؤثر بعطائه وسلوكه؟.

اقرؤوا نسب من أساء لدينه ووطنه من قلة ضئيلة جداً من المبتعثين لا يتجاوزون وبالأرقام غير القابلة لأنصاف الحلول ما يمثل حتى جزءاً من ظاهرة، والتي يقابلها وبكل أمانة رقابة تامة وتوجيهات صارمة ومتابعة من الملحقيات الثقافيةّ ضد كل ما يكتشف من ممارسات سلوكية تعبث بالدين أو الوطن أو الإنسان.

لكن أن ننسف مشروعاً تنموياً واستراتيجية علمية وجهود دولة لتكريس الأفكار المناهضة مع خزعبلات التحذير والردح، وبالتفاف غير مقبول لا يحترم العقل، فهذا يجب التوقف عنده والرد عليه ولن نقبله ولن نقف له عرفاناً إلا إذا خرج مناهضو الابتعاث من عباءة الوصاية وتبنوا فقط دراسةً علمية (واحدة) تؤيد آراءهم لاسيما أن كثيراً منهم يحمل شهادات عليا نتأمل فيها معرفة لغة (البحث العلمي) وحقائقه!.